لعل الحزن الشديد الذى انتاب الآلاف على رحيل المناضل اليسارى الشريف أحمد سيف الإسلام يكشف فى جانب منه مأزق اليسار المصرى فى هذه الفترة الحرجة من تاريخنا السياسى، إذ كل الشواهد تشير إلى أن حظوظ اليسار فى الانتخابات المقبلة شحيحة للغاية، وذلك لأربعة أسباب هى:
إن اليسار بتنويعاته المختلفة لم يستطع أن يؤسس قاعدة جماهيرية حقيقية يتكئ عليها عند المنعطفات الكبرى فى الواقع الاجتماعى سواء ثورة أو انتخابات أو إضرابات واعتصامات، الأمر الذى جعله يفقد حضوره تدريجيًا بين الجماهير من عام إلى آخر حتى بات أقرب لمريض فى غرفة العناية المركزة على الدوام!
لا ريب فى أن الدولة البوليسية التى أسسها مبارك لعبت دورًا بائسًا فى الانقضاض على الفكر اليسارى والمنظمات التى تتبناه، حتى انفض عن هذه المنظمات كثير من أعضائها والمتعاطفين معها.
أما السبب الثالث فهو صدام الأمزجة بين اليساريين سواء كانوا من رجال الصف الأول أو من الشباب اليافع، فالكل ينشد القيادة والكل يصبو إلى الزعامة، فضلا عن ضيق الصدر الذى تتسم به كل التيارات التى تعانى من ملاحقات أمنية وتشويه إعلامى.
ويبقى السبب الرابع المتمثل فى التحالف المشبوه بين النظام وجماعة الإخوان وأنصارها من التيارات المتاجرة بالدين، إذ أهمل كل من نظامى السادات ومبارك خلال أربعين عامًا تطوير المجتمع والاستفادة من طاقاته البشرية التى تتزايد كل لحظة، وقد ترك مبارك تلك الجماعات تتضخم حتى نخرت عظام العقل المصرى وأفسدته، وها هى النتيجة المؤسفة.. شباب جديد ارتمى فى أحضان هذه الجماعات المتخلفة ظنا منه أنها تملك مفتاح السماء، غير واعٍ أنها تتلمظ على السلطة والثروة!
هذه هى أهم الأسباب التى أدت إلى تراجع اليسار المصرى تراجعًا مخيفا، لكن هناك سبب بالغ الأهمية لم أذكره لك فى البداية، وآثرت أن أختم به هذا المقال الصغير. هذا السبب يتمثل فى أن الغالبية العظمى من أهل اليسار ومنظماتهم السرية والعلنية لا تهتم بدراسة تاريخ مصر وطبائع الشعب المصرى، الأمر الذى جعل الجميع يخفق فى مد جسور التواصل مع البسطاء بكل أسف!