قبل أن تعلق على العنوان، أدرك جيدًا أن جماعة الإخوان لا تربطها بالسينما علاقة وئام، ويمكن القول إن الخصام هو العنوان الأمثل لهذه العلاقة، ذلك أن معظم مجالات الفنون بشكل عام أمر مرفوض فى أغلب الأحوال عند الجماعة، وعند كل من يتاجر بالدين، إن لم تكن هذه الفنون من المحرمات. وكلنا يذكر الفتاوى المخبولة التى انتشرت تطالب بهدم الهرم إبان الحقبة السوداء لمرسى، وكلنا يذكر أيضًا كيف أن المتعصبين غطوا وجه تمثال أم كلثوم فى المنصورة، كما نزعوا رأس الدكتور طه حسين من تمثاله فى المنيا.
أما السينما فتحتل مكانة مهمة للغاية فى منظومة التحريم التى اخترعها هؤلاء المتاجرون بديننا الإسلامى السمح، لماذا؟ لأن السينما تصوّر النساء، وما أدراك ما النساء عند أصحابنا؟!، فالمرأة أُس البلاء، ومكمن الخطر على عفة الرجل، والمرأة ناقصة العقل، قليلة الدين، والمرأة مستودع الغواية، ومأوى الشهوات.. ألم تكن وراء طرد أبينا آدم، عليه السلام، من الجنة؟!
لذا فالسينما رجس من عمل الشيطان لا يجب ولا يصح أن يرتادها أحد، وبالمناسبة، أعرف شابًا إخوانيًا تخرج فى الجامعة وبلغ الثلاثين ولم يشاهد فى حياته فيلمًا كاملًا إلا قبل شهر واحد فقط، وكان فيلم «العزيمة»، فأعجبه وانبهر به، ثم سألنى عن أسماء الممثلين- حسين صدقى وفاطمة رشدى- لأنه لا يعرفهما!
أكرر القول إن الإخوان لم يهتموا بالسينما، ولن يفقهوا ضرورتها، وما أقترحه فى هذا المقال هو أن يبادر صناع السينما عندنا وينجزوا أفلامًا عن الإخوان، وتاريخهم، وجرائمهم، وكيفية اصطياد الصبيان الصغار- خاصة فى المناطق الفقيرة- ليجندوهم فى تنظيمهم المشبوه، وكيف وصلوا إلى السلطة، وكيف فقدوها بسبب غبائهم وضيق أفقهم، وعلاقاتهم الدولية المريبة، واستخفافهم بفكرة الدولة، واستعلائهم على مفهوم الوطن. إن «الإخوان» بوصفها جماعة تتكئ على أفكار فاسدة، وتدعى أنها الممثل الشرعى للسماء، تعد نموذجًا متفردًا لينهل منه الكتّاب والمخرجون الحكايات والقصص التى تصلح للسينما، شريطة أن تتسم الأفلام المنجزة بالدقة والاتقان والتشويق حتى تؤتى أكلها، وأنت تعلم أن القصة - إذا كانت جيدة الصنع - تؤثر تأثيرًا مدهشًا فى المشاهد أو المستمع. لقد مرت السينما مرورًا سريعًا على تجار الدين وأدعيائه فى تسعينيات القرن الماضى، فمن ينسى رائعتى وحيد حامد «الإرهاب والكباب» و«طيور الظلام»، كذلك حقق فيلم «الإرهاب» نجاحًا مهمًا، لكن هذه الأفلام تم إنتاجها فى ظل نظام مبارك، حيث كان الإخوان وأنصارهم مجرد فصائل مختلة تتاجر بالدين، وتشوه الإسلام الحنيف، لكنها لم تكن قد وصلت إلى السلطة بعد، ولم تكن قد اقترفت كل هذه الجرائم بعد ثورة يونيو، لذا أظن أن الوقت مناسب لأن يتجول صناع السينما الموهوبون فى غابات الإخوان وأحراشهم ليسلطوا النور على أسرار هذه الجماعة التى تخلط الدين بالسياسة، مستهدفة السلطة والثروة!
حقًا.. ما أحوجنا إلى سينما جادة وجميلة تفضح البؤس الإخوانى وتندد بتجار الدين.