حادث الاغتيال الغادر الذى راح ضحيته نجل المستشار محمود السيد أمام منزله على يد تلك الجماعة الإرهابية ما يجب أن يمر أمامنا هكذا مرور الكرام، ويجب ألا نتعامل معه باعتباره مجرد حادث إرهابى عابر وحسب، فهو بهذا الشكل المفجع يعد نقلة نوعية جديدة للجماعة الإرهابية فى ممارستها للإرهاب البغيض ضد المجتمع بالكامل وليس ضد قضاة مصر ورموز قضائها العادل النزيه فقط.
فهذا الحادث ترك فى النفوس حالة من الغضب والسخط العام بين كل فئات المجتمع مما يدعونى إلى مطالبة الدولة بضرورة التحرك وبشكل سريع فى اتجاه حماية القضاة وتوفير المناخ الصحى لهم ولأسرهم وهم يمارسون عملهم المقدس فى تحقيق العدالة دون أية ضغوط نفسية من تلك الجماعة الإرهابية التى تلطخت أيدى أعضائها بالدماء بعد أن باعوا الوطن فى ظل محاولاتهم الفاشلة لهدم الدولة بالكامل إرضاء لنفوسهم المريضة وتنفيذا للأجندات الخارجية. الأمر الذى يستلزم وجود ظهير شعبى يساند الأجهزة الأمنية فى حربها ضد الإرهاب، كما أن هذه المسألة تتطلب أيضا تعديلا للتشريعات الخاصة فى المجال الجنائى بما يساعد العدالة على السير فى مجراها الطبيعى لتتمكن من القضاء على هؤلاء الإرهابيين القتلة فى مدة زمنية قليلة وبإجراءات ميسرة، مع توفير الحد الأدنى من الحماية والحراسة للقضاة أثناء أداء عملهم بالمحاكم، وأيضا حماية وكلاء النيابة داخل مقرات النيابة وأثناء قيامهم بالمعاينات فى مواقع الأحداث.
وعلى الرغم من قتامة الصورة التى يرسم ملامحها هؤلاء القتلة فالقضاء العادل والمشهود له بالنزاهة والطهر والشفافية ونظافة اليد لم ولن ترهبه تلك العمليات القذرة التى تحاول تلك الجماعة الفاشية القيام بها من حين لآخر لترويع رجال القضاء وإرهابهم نفسيا أثناء قيامهم بأداء واجبهم المقدس فى إجراء محاكمات عادلة لقادة وأعضاء تلك الجماعات الإرهابية المحظورة ممن تورطوا فى جرائم يندى لها الجبين.
وللأسف الشديد فإن حادث اغتيال نجل المستشار محمود السيد ليس الأول فى طبيعته وربما لن يكون الأخير طالما لم تكن هناك وقفة شديدة القسوة من جانب الدولة مع كل من تورط فى هذا العمل الدنىء، فقد ذهب الإخوان من قبل إلى منزل قاضى محكمة جنح الإسكندرية بعد أن كان قد أصدر حكما ابتدائيا بسجن بنات الإخوان من «حركة 7 الصبح» ومحاصرته وقبل ذلك قاموا بمحاصرة منزل القاضى الذى يتولى محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسى ورجاله إلى جانب قيامهم وعلى فترات متقاربة بترويج الشائعات وبث الأخبار المغلوطة عن رجال القضاء بهدف النيل من سمعتهم الطيبة وهز ثقة الشعب فيهم. ولأن تلك الحوادث لم تكن مجرد حوادث عابرة بل هى جزء من مخططات شيطانية أعدتها عقول قذرة، فإنها فى حقيقة الأمر تفتح أمامنا ملف الصدام التاريخى بين الإخوان والقضاء، فصراع الإخوان مع القضاء قديم قدم الجماعة المحظورة نفسها.
فبنظرة متأنية لخلفية تلك العمليات الإرهابية التى يقوم بها أعضاء الجماعة المحظورة الآن لترويع رجال القضاء نجده قد وصل إلى ذروته فى عهد المعزول «مرسى» الذى كان قد أقسم على احترام الدستور والقانون وإتاحة الحريات لكنه، وللأسف الشديد، حنث بالقسم ولم يحفظ عهدا أو يفى بوعد، فقد عاش قضاة مصر خلال تلك الفترة فى صراع دائم مع السلطة التنفيذية التى كان يرأسها بحكم طبيعة وظيفته وذلك منذ الإعلان عن «قانون السلطة القضائية» الذى وصفه قضاة مصر آنذلك بقانون الانتقام من القضاة وذلك فى جميع تصريحاتهم الإعلامية وفى جميع تعلقاتهم على هذا المشروع المشبوه.
واللافت للنظر فإن أزمة القضاة فى عهد مرسى لم تقتصر على الصراع بين القضاة والسلطة التنفيذية، فحسب ولكن صراع بين القضاة والرئيس المعزول بشكل شخصى حينما قام بالتعدى الصارخ و«الفج» على السلطة القضائية منذ توليه رئاسة الجمهورية بداية من الإعلان الدستورى، مرورا بإقالة النائب العام السابق المستشار عبدالمجيد محمود، وتعيين نائب عام آخر «على مقاس الإخوان» يسير على خطى الجماعة وينفذ تعليمات مكتب الإرشاد، وصولا إلى قانون السلطة القضائية.
وكلنا نعلم أن المشادات والمنشاوات بين القضاء والجماعة المحظورة قد ازدادت بشكل مستفز خاصة بعد ظهور تلك الدعوات المستفزة المطالبة بتطهير القضاء التى دعت إليها الجماعة المحظورة، وجاء على رأسها المطالبة بضرورة تطهير الدولة من الفاسدين ومطالبة مجلس الشورى بإصدار قانون السلطة القضائية، وفى رأيى كان حصار المحكمة الدستورية أحد أهم تلك الانتهاكات الخطيرة التى قام بها أعضاء المحظورة على القضاء المصرى وعلى رجال القضاء الشرفاء، وهو ما ظهر بوضوح فى تشكيل جماعة داخل مؤسسة القضاء العريقة تعمل لصالح الجماعة وتأتمر بأمرها وتُدافع عنها وهى ما أطلق عليها اسم «حركة قُضاة من أجل مصر» التى سمعنا عنها لأول مرة بعد ثورة 25 يناير وللأسف الشديد فإن تلك الحركة «الغامضة» لم يكن أحد يعرفها أو يفهم طبيعتها إلا بعد الانتخابات الرئاسية وفوز محمد مرسى برئاسة الجمهورية فقد اكتفت الحركة بالدفاع عن الرئيس الجديد وتبرير قراراته والبحث عن الثغرات القانونية التى يمكن عن طريقها الدخول فى المناطق الخطرة وإخراج «الرئيس» مثل الشعرة من العجين.
والحق يقال فإن بداية الصدام بين الإخوان والقضاة فى مرحلة ما بعد الثورة كانت عندما رفضت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية أوراق اعتماد خيرت الشاطر مرشحا للجماعة، لأنه لم يكن قد حصل على حكم قضائى يبرئ ساحته الجنائية من الحكم الصادر ضده فى قضية تنظيم الأزهر، وهذا فى رأيى هو الموقف الأول، الذى اعتبرته الجماعة المحظورة بمثابة إعلان الحرب بشكل علنى ضدها وتعاملت معه على أنه تعنت واضح ضدها لاستبعاد مرشحها الأساسى لرئاسة الجمهورية.
وتتوالى الأزمات واحدة تلو الأخرى بين الإخوان والقضاة إلا أن القضاء المصرى يقف دائما شامخا ليرفع رايات تحقيق العدالة والحرية والقصاص من الخونة أعداء الوطن دون أن يتأثر بأى من تلك الأزمات، فالشعب المصرى دائما على ثقة تامة فى شموخ القضاء ونزاهة أحكامه، خاصة أن الصراع بين القضاء والإخوان هو فى حقيقة الأمر صراع بين الحق والباطل، وهو الصراع الذى كلما دخل نفقا مظلما فإنه يخرج منه الحق فى نهاية الأمر وهو يرفع رايات النصر، مؤكدا على فشل تلك المحاولات الإرهابية التى فاحت رائحتها البذيئة لتزكم الأنوف المصرية التى لم تقبل يوما المساومة فى حق تقرير مصير وطنها، فمعركة قضاء مصر الشامخ مع الإخوان واحدة من أهم معارك العزة والكرامة فى تاريخ مصر. أقولها وبأعلى صوت مخاطبا الدولة القوية التى تتشكل ملامحها الآن.. إننا فى أشد الحاجة إلى وقفة أكثر حزما وأكثر شدة فى التعامل مع هؤلاء القتلة الذين يروعون الآمنين والذين تتلطخ أياديهم كل يوم بدماء الأبرياء من كل فئات المجتمع، فحوادث الاغتيال وإن كانت تستهدف شخصا أو عدة أشخاص، فإنها فى حقيقة الأمر تستهدف أمن واستقرار المجتمع بالكامل وتخلف وراءها أحزانا تدمى قلوب الجميع دون تفرقة بين فئة وأخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة