هل فكرت يوما أنك تمتلك ثروات لا تقدر بثمن؟! هل شعرت من قبل أنك ملياردير أو حتى مليونير رغم أن مرتبك ربما لا يكفيك حتى آخر الشهر؟! هل تخيلت أبدا أن مال قارون بل أضعافه ربما لا يمثل لك شيئا لو كان فى حيازتك، وأنك مستعد لو امتلكته يوما أن تنفقه حتى آخره فى سبيل الإبقاء على ثرواتك التى قد لا تكون لاحظت أصلا امتلاكك لها؟! هناك للأسف من يأتى إلى الدنيا ويرحل عنها دون أن يلاحظ وجود تلك الأشياء أو يدرك تلك الحقيقة، حقيقة القيمة الفعلية للأشياء التى لا تشترى، حقيقة النعم التى نألفها ونتعايش معها ونغفل عن ملاحظة قيمتها الغالية وثمنها الباهظ لو صح أن تقدر بثمن، لكن هناك من يلاحظ ويدرك وينتبه، وهناك من يُبتلى ليلاحظ ويدرك وينتبه حين يشعر أن تلك الأشياء مهددة بالزوال فإنه عندئذ يعرف قدرها وقيمتها.
كم من نعمة لا يلقى المرء لها بالا ولا يعرف قيمتها الحقيقية حتى إذا زالت أو كادت أن تزول علم قدرها وأدرك مدى الثراء والغنى الذى طالما كان يتقلب فيهما دون أن يشعر، حينئذ يدرك أن ثمة أشياء لا تشترى، أشياء لو أنه امتلك خزائن قارون بل ملء الأرض من مثل تلك الخزائن ثم طلب منه أن ينفقها بكاملها كى لا تنزع منه تلك الأشياء لأنفقها عن طيب خاطر. من هنا يعى أن قيمة الأشياء ليست بثمنها المادى أو بالتسعيرة المكتوبة عليها، ولكن بما هو على استعداد لدفعه طمعا فى استردادها أو أملا فى الإبقاء عليها ومنع زوالها، أشياء أنت مستعد لإنفاق مال الدنيا وكنوزها لأجل الإبقاء عليها أو رفع الأذى عنها أو ليست قيمتها فى الحقيقة تساوى هذا المال بل تزيد عليه؟!ضحكة طفلك التى تكاد تتوارى إذا داهمه المرض دعوة من قلب أم حانية أو نصيحة مشفقة من والد محب، لحظات سعادة وصفاء راحة بال عافية وستر أوليست تلك أشياء لا تشترى؟!
أوليست النتيجة معروفة إذا تفكر من يستمتعون بتلك الثروات السالف ذكرها فى الثمن الذى هم على استعداد لدفعه حتى يدوم استمتاعهم بها؟! أوليست هذه هى القيمة الحقيقة وذاك هو الثمن؟! لا تتسرع فى الإجابة عن تلك الأسئلة قبل أن تتفكر جيدا وترقب حالك ومآلك وتتلمس ثروتك الحقيقية التى ستعرفها حين تتخيل القيمة التى أنت مستعد لأدائها فقط كى تبقى ولا تزول وأصعب شىء أن تفاجأ بزوالها قبل أن تدرك قيمتها الحقيقية، لذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يتعوذ من زوال النعمة وفجاءة النقمة قائلا: «اللهمَّ إنَّى أعوذُ بك من زوالِ نعمَتِك، وتَحَوُّلِ عافيَتِك، وفجْأةِ نقمتِك، وجميعِ سَخَطِك» صحيح الجامع. ولقد عرف نبى الله يوسف عليه السلام نعمة الله عليه مبكرا ولم تنسه إياها الظروف القاسية، ولم تمنعها تلك الجدران الرطبة والأسوار العالية التى هو حبيس بداخلها والنعم التى هو محروم منها فكل ذلك يهون مادامت النعمة العظمى موجودة - نعمة الحق وشرف معرفة خالقه وتوحيده وعبوديته. لقد عرف النعمة وشكرها ثم عرَّف الخلق بها قائلا: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَىءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ». إن الحكيم المسدد هو من تفكر فى كل تلك النعم مبكرا ولم ينتظر حتى تفاجئه النقم أو يعاجله البلاء فيما يحب أو من يحب ليعرف حينئذ أنه كان ثريا لم يرع ثروته حق رعايتها ولم يقدرها حق قدرها بل عرف نعمة الله مبكرا ولم ينكرها أو يجحدها مع من أنكرها وجحدها مهما كانت الظروف قاسية والشواغل كثيرة، الحكيم المسدد هو من علم قيمة النعم قبل أن تزول وأدى شكرها وأقر لمنعمها بالفضل وأدرك ابتداء أن ثمة أشياء.. لا تشترى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة