تتلمذ على يد «بيرم التونسى»، كان يجلس معه على مقاهى القاهرة بعد عودته من رحلة منفاه الطويلة فى فرنسا، شرب هو منه، وتأثر به، أما «بيرم «فتنبأ له بأن يكون من سادة الكلمة «شعرا وزجلا».
انطلقت الموهبة، وفى ستينيات القرن الماضى اكتسب لقب «شاعر الفلاحين»، غير أنه ترك القاهرة بكل ما فيها ليعود إلى قريته التى هى قريتى «كوم الآطرون - طوخ - قليوبية»، لم تكن العودة خروجا من عالم الشعر، فوهج الموهبة ظل على تألقه، لكنه كان خروجا من التجمعات الثقافية التى تعرفها «العاصمة»، هو أسبق «زمنيا»
من قامات شعرية مثل «أحمد فؤاد نجم» و«عبدالرحمن الأبنودى»، لكنه لم يحصل على شهرتيهما رغم قامته الشعرية الكبيرة، لأنه ارتضى أن يعيش فى قريته منغمسا فى تفاصيلها، تأكله هموم الحياة بكل ما تحتويه من قسوة.
هو «محمد محمد الجمل» ابن قريتى، وابن عم صديق العمر الكاتب المتألق «جمال الجمل»، ولأنه رحل عام 2006، فهو لم ير إرهاب التكفيريين هذه الأيام، لكنه عاصر فى مرحلة الصبا محاولة جماعة الإخوان لاغتيال جمال عبدالناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1954
ثم شاهد فيما بعد محاولة تنظيم سيد قطب «الإخوانى» عام 1965 لتفجير الكبارى والطرق، والعمليات الإرهابية التى شهدتها مصر منذ سبعينيات القرن الماضى، وتفاعل مع كل هذه الأحداث بقصائد شعر ومقطوعات زجلية، ومن بينها قصيدة يتحدث فيها إلى كل إرهابى، نفذ عملية فى الماضى والحاضر، أو يعتزم تنفيذها فى المستقبل:
«مين اللى دلك تبقى واد إرهابى
وتسيب شرورك مدفعين على بابى
لا الدين بيسمح تبقى من أربابى
ولا دنيا ترضى تفنى منى شبابى
مين اللى دلك تبقى واد إرهابى
قوللى بصراحة يهون عليك تقتلنا
وإحنا السماحة والأمان من نيلنا
ما فيش بجاحه ف دينا لجل تجيلنا
ونعيش مناحة بغلطتك يا قابيلنا»
هذا المقطع من قصيدة بعنوان «مين اللى دلك»، كتبها «محمد محمد الجمل»، وألقتها حفيدته «هايدى مراد» فى حفل إحياء ذكراه مساء أمس الأول الجمعة بدوار العائلة بالقرية ونظمته «الجمعية المصرية للأدباء والفنانين» برئاسة الدكتور حسن الطوخى، وكانت هذه القصيدة ضمن قصائد أخرى للشاعر ألقتها أيضا حفيدته الثانية «مى مراد»، وألقى الطفل «يوسف محمد مصطفى»
بأداء مبهر فيه حركات جسده ونغمات صوته، ويتألق فى إلقاء قصائد الشاعر هشام الجخ، وعبدالرحمن الأبنودى وأحمد فؤاد نجم، وشهد الحفل تقديم ألحان بصوت «أحمد السيد عبدالفتاح» لقصائد من تأليف الشاعر. ازدحم الحفل بالجمهور من مختلف الأعمار وفيه حضور لافت للسيدات، وتفاعلوا مع أشعار ابن بلدتهم الذى عاش لهم يكتب عن همومهم، وبدا وكأنهم يعيدون اكتشافه، وبلغ حماس الحاضرين حد مطالبتهم بضرورة جمع تراث شاعرنا الكبير قائلين إنه أمانة ولا يجب إهمالها.