الأصل فى هيبة الدولة أمران أساسيان، الأول الحرص الدائم على تطبيق الدستور والقانون على أى مواطن، والثانى هو عدم بيعها أو شرائها أو تأثرها بالمال أو النفوذ أو السلطان، تخوفًا من اختلال لمفهوم الهيبة، وما يترتب عليه مباشرة من عدم احترام المواطن قرارات الدولة وقوانينها المنظمة.
شهرا يوليو وأغسطس كانا على موعد مع مشهدين متناقضين مع هيبة الدولة، الأول يرسخ المفهوم بقوة فى عقلية المواطن، ويجبره على الدفع به فى قائمة أولوياته، والثانى يدمر قدسية الهيبة، ويضربها فى مقتل.. المشهد الأول هو رئاسة المهندس إبراهيم محلب، رئيس الحكومة، لعمليات إزالة عقارات مخالفة خلف المحكمة الدستورية العليا، وحدائق القبة، وعين شمس، وخروجه لوسائل الإعلام فى تصريحات صحفية بأنه لا تهاون مع أصحاب العمارات المخالفة، وهيبة الدولة فوق الجميع، ولا تراجع عن تطبيق القانون.
المشهد الثانى هو قيام وزارة الإسكان بالإعلان عن قانون جديد للتصالح مع أصحاب العقارات المخالفة بموجب دفع غرامات مالية تتباين حسب طبيعة المخالفات وأعداد الطوابق، والنتيجة النهائية من المشهدين أن الدولة تخلت عن هيبتها فى مواجهة المخالفين من أصحاب العقارات مقابل المال، وهو الأمر الذى يمثل انتقالًا نسبيًا فى احترام الدولة نفسها لهيبتها، والاستغناء عنها فى بعض الأوقات.
القانون الجديد فى الظاهر يحمل اسم التصالح مع العمارات المخالفة، لكنه فى الواقع يحمل اسم «تقنين الفساد»، لأنه بكل بساطة يرسخ فكرة قبول الموظف العام للرشوة من أجل التساهل فى إجراءات «ترخيص بناء»، وفى نفس الوقت يكافئ المقاول المخالف لبناء عقار غير مطابق للشروط الهندسية، ويعاقب المقاول السليم على التزامه بشروط البناء، ضاربًا ميزان العدالة، مرجحًا كفة «المقاول الجشع» على المقاول الملتزم.
المحور الأخير فى سؤال سريع: هل سيدفع القانون المقاولين لتقنين أوضاعهم فى العمارات المخالفة فعلًا، وعدم قيامهم بتشييد عقارات جديدة مخالفة أيضا؟، والإجابة من منطلق شهادة أرويها سريعًا.. أقيم فى منطقة حدائق الأهرام، وهى منطقة سكنية تحت الإنشاء، وبمجرد شروع الحكومة فى إصدار القانون، بدأت حركة تشييد سريعة لعمارات جديدة بواقع 7 طوابق للعقار، بالمخالفة للشروط الهندسية فى البناء المتمثلة فى 4 طوابق، إضافة للأرضى، وعندما سألت أحد المقاولين أجاب : «كلنا بنبى بسرعة علشان نلحق القانون الجديد، ونتصالح وياريتى كنت بنيت طوابق إضافية فى مشاريعى اللى فاتت، كنت دفعت قرشين واتصالحت».
الحقيقة أن القانون الجديد لا يمثل لدى المقاول إلا منفذًا لتقنين وضعه غير القانونى، وبابًا شرعيًا لزيادة دخله عبر طوابق مخالفة جديدة، والحقيقة أيضًا أن القانون الجديد لن يوقف سرطان المخالفات كما تخطط الدولة.. يا صناع القرار، هل الهيبة بتتباع بفلوس؟!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة