أحد أقاربى، الذى لم يدلِ بصوته فى انتخابات الرئاسة، لأن المشهد السياسى كله لم يروق له، قال لى: «السيسى ده ولد» - هكذا يعبر المصريون تلقائيا عن الشخصيات التى تعجبهم - قريبى أضاف: «فعلا عرف يخرج الفلوس من جيوب الناس فى مشروع قناة السويس، الناس اطمأنت لكلامه فراحت البنوك عشان تشترى الشهادات، وأنا خلاص قررت اشترى».
هكذا عبر مواطن مصرى «شاب» عن مشاعره دون فذلكة، لكنه يطرح سؤالا: «هل من الممكن أن تعارض السيسى فى جانب، وفى نفس الوقت تشترى شهادات استثمار قناة السويس؟ هل من الممكن ألا يعجبك أداء الدولة فى بعض الملفات، لكنك تذهب إلى أحد البنوك وتشترى الشهادات كدليل على المشاركة فى بناء هذا المشروع العملاق؟
تبدو هذه الأسئلة متأخرة، خاصة أن المستهدف من جمع الأموال المطلوبة قارب على الانتهاء، مسجلا مشاركة شعبية واسعة فى وقت قياسى، ومعبرا عما قاله قريبى الذى غير رأيه بعد أن صدق فعلا حقيقيا يتم إنجازه على الأرض. البعض لم يعجبه مثلا إقدام حمدين صباحى على شراء شهادات استثمار فى مشروع القناة بـ«7 آلاف جنيه» لصالح حفيدته
وكأنهم يرون فيما فعله أنه ساهم فى فعل لصالح السيسى، وليس لصالح مصر، وكرروا عدم إعجابهم بزيارته أمس للمشروع. الموقف على هذا النحو، يحيلنا إلى أساسيات فى البناء الوطنى بكل معاركه، كما يحيلنا إلى طبيعة العلاقة التاريخية بين السياسيين المعارضين والدولة
وهل من الصحيح أن تكون هناك قطيعة دائمة بين الطرفين، أم تبقى المسألة على حوار دائم لتصحيح مسارات وتقويم أخرى؟ والإجابة على هذا السؤال تحتاج بالطبع إلى تشخيص النظام وطنيا، وتشخيص المعارضة من نفس الزاوية، وبالطبع ليس من المعقول أن ينسحب السؤال إلى تنظيمات جماعات تكفيرية وإرهابية من باب أنهم معارضة، فهؤلاء لا يندرجون تحت أى معيار للوطنية، وبالتالى لا حوار معهم. أعود إلى أصل الموضوع وهو المتعلق بالمساهمة فى مشروع القناة، والذى يعد فى أفضل تعريفاته أنه «إطلالة على المستقبل»، وأقول إن مصر لم تعرف «إطلالة على المستقبل» منذ مشروعات «السد العالى» و«تأميم قناة السويس» و«التصنيع الهائل» و«الإصلاح الزراعى»
وحدث ذلك فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، كنا نعيش باليومية منذ مرحلة ما بعد حرب أكتوبر 1973، ومعها كانت الخطوات تمضى ضد كل ما له علاقة بالعدالة الاجتماعية، وعظمة «مشروعات إطلالة المستقبل» تكمن فى أن تكون لصالح عامة المصريين، وليس لصالح فئة بعينها. من هذه الخلفية تأتى أهمية مشروع «قناة السويس الجديدة»، فليس من العيب أن نجعلها ملفا قائما بذاته لصالح المستقبل، يساهم المصريون كلهم فيه بمختلف أطيافهم السياسية المعارضة والمؤيدة للرئيس عبدالفتاح السيسى
فهو إطلالة على المستقبل، ولو أخذنا معيار المعارضة والتأييد للحاكم كمدخل للمساهمة فى مثل هذه المشروعات تأييدا ومشاركة، فعلينا أن نتذكر الذين عارضوا عبدالناصر فى قراراته التاريخية بتأميم قناة السويس وبناء السد العالى، فهؤلاء يحكم التاريخ عليهم بقسوة، فى مقابل رفع القبعة تعظيما وإجلالا وتقديرا لكل من شارك فى ملاحم تلك المعارك.