حين تتحدث جماعة الإخوان عن أن ثورة 25 يناير احتضنتها قطر، فهذا يعنى أنها تقدم الأسانيد لمن يزعمون بأنها كانت مؤامرة أقدمت أطراف دولية عليها، بتعاون وتنسيق مع أطراف داخلية فى مقدمتهم جماعة الإخوان نفسها، وحين تقول ذلك فهذا يعنى أنها تدوس بأقدامها على نضال طويل للشعب المصرى ضد نظام مبارك، ولما جاءت اللحظة الثورية المناسبة خرج المصريون لإسقاطه.
وحين تقول ذلك قبل يومين على لسان الإخوانى والقيادى بحزب الحرية والعدالة «حمزة زويبع» الهارب إلى الدوحة، فإنها تقدم بلاغًا ضد نفسها للجهات الرسمية، وللشعب المصرى، ويشمل البلاغ فى أقل تقدير تلقيها أموالاً من قطر.
يقودنى ذلك إلى التذكير بمعلومات ذكرها مصطفى عبدالجليل، رئيس المجلس الانتقالى الليبى، الذى تشكل بعد سقوط نظام الرئيس الليبى معمر القذافى.. قال «عبدالجليل» يوم الجمعة «2 أغسطس 2012»، إن قطر أنفقت مليارى دولار على ما أسماه بـ«الثورة» فى بلاده.
وأضاف بصراحة ودون لبس: «خطة تحرير العاصمة طرابلس تم وضعها فى العاصمة القطرية الدوحة، ولم يذهب أى شخص ليبى إلى قطر إلا وأعطوه مبلغًا من المال، منهم من سلمه إلى الدولة، ومنهم من أخذه لنفسه».
وأعطى «عبدالجليل» ملمحًا للهدف من هذه المساعدات بقوله: «قطر تدعم التيارات الإسلامية، ولها رؤية تتمثل فى بناء منظومة عربية تعتمد على الشريعة الإسلامية كنظام للحكم».
وبعيدًا عن توصيف «عبدالجليل» بسقوط طرابلس الكارثى بأنه «تحرير»، يقودنا كلامه إلى صفحة يبدو أنها لم تتكشف كاملة فى قصة الثورات العربية، حيث ضخت قطر أموالاً هائلة فيها، وحتى لا يلتقط البعض هذا الكلام كحجة لتشويه الثورة المصرية العظمية، علينا أن نفرق بين أمرين، الأول، هو خروج الشعب المصرى التلقائى للثورة ضد نظام مبارك، وحدث ذلك دون توجيه من أحد، إنما كان خاتمة لمقدمات ظلت تتراكم يومًا بعد آخر، ولا نحتاج إلى تكرار أن جماعة الإخوان لم تشارك فى الأيام الأولى للثورة، وحين انضمت إليها بعد أيام كانت تتفاوض مع اللواء عمر سليمان على مكاسب خاصة بها مقابل عودة كوادرها إلى بيوتهم، لكن حكم الملايين الذين خرجوا كان هو النافذ على الجميع بمن فيهم جماعة الإخوان.
الأمر الثانى هو، إذا كانت هناك أموال قطرية قد تم ضخها، فالمؤكد أنها ذهبت إلى الجماعة، لأنها - بالقياس على اعترافات مصطفى عبدالجليل - «الطرف» الذى كان سيحكم باسم الإسلام وشريعته كما تريد قطر، ولو فتحنا كادر المشهد على آخره، لفهمنا أن ما يحدث حاليًا فى كل عموم المنطقة لعبت الأموال القطرية دورًا رئيسيًا فيه، سواء ما تفعله «داعش» بالمنطقة بعد زراعتها من أجهزة مخابرات دولية لتنفيذ خطة تقسيم المنطقة، أو تفعله كل التكوينات الإرهابية الأخرى فى مصر أو فى سوريا.
لم تحتضن قطر ثورة 25 يناير كما يقول «زويبع»، إنما احتضنت جماعة الإخوان، وحين خرج المصريون فى ثورتهم المجيدة، لم يكن يعنيهم ما يدور فى الغرف المغلقة، ولأن الثورة لم تكن لها قيادة فى مقابل قوة تنظيم الجماعة فقد أخذتها بعيدًا عن الأهداف التى قامت من أجلها، وتلك قصة أخرى.