القويات فى الشارع.. "اليوم السابع" يتابع رحلة "أم تامر" منذ الخامسة فجرا حتى المساء لتبيع جرجيرًا وتكسب فى الواحدة "ربع جنيه".. 28 عاما من المسئولية وتقول: "تعبت بس مقدرش أتراجع"

الخميس، 18 سبتمبر 2014 10:33 م
القويات فى الشارع.. "اليوم السابع" يتابع رحلة "أم تامر" منذ الخامسة فجرا حتى المساء لتبيع جرجيرًا وتكسب فى الواحدة "ربع جنيه".. 28 عاما من المسئولية وتقول: "تعبت بس مقدرش أتراجع" أم تامر
كتبت آية نبيل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قوية، مكافحة، مثابرة، قائدة، سيدة أعمال، أم، مسئولة، أدوار عدة تلعبها المرأة المصرية التى تعمل فى الشارع، تحمل آلامها وآهاتها ومشاكلها يوميا لتخوض عراك الحياة والسعى خلف "لقمة العيش"، منهن من يتحملن مسئولية الأسرة بكاملها فى حالة عدم وجود الأب، ومنهن من تنزل لتشاركه صراع القوت، ومنهن من تحل محله فى وجوده.

ببشرة يغلب عليها اللون الخمرى إثر الجلوس طيلة ساعات النهار أسفل أشعة الشمس الحارقة، لا تتأخر "أم تامر" عن موعدها اليومى فى سوق الخضار بميدان الجيزة.

عشرون عاما تستيقظ فجرا، ترتدى عباءة العمل، تهرول مسرعة إلى الميدان بمنطقة كرداسة، حيث ينتظرها مع رفيقاتها فى السوق "عم محمد"، سائق السيارة "بيجو" التى يتشاركن فى تأجيرها لنقل بضائعهن يوميا على سطحها، بينما يتكدسون داخل السيارة والتى ما إن يتجمعن كلهن، تنطلق فى طريقها إلى الجيزة، تتوزع كل منهن على "فرشتها"، وتبدأ فى تحميل بضاعتها.

قويات، قادرات على مواجهة معارك الشارع لسنوات والبقاء فيها، رفضت العديد منهن الحديث حتى وافقت "أم تامر"، ورغم استقلاليتها، ومسئوليتها عن أسرتها بشكل كامل رغم وجود زوجها، إلا أنها ما زالت أيضا تحمل أعباء خدمة المنزل بالكامل.

ورثت أم تامر، ذات الـ48 عاما، مكانها فى السوق كما تؤكد من والدتها التى كانت تجلس فى نفس المكان، تقول "كانت أمى بتاخدنى معاها من وانا عندى 7 سنين، وبشوف كل اللى حواليا فى السوق ستات، وتقعد طول اليوم تبيع جرجير، لغاية ما يخلص ونركب ونروح"، لم ترتد المدرسة لأن على حد قولها "مفيش اختيار"، فما كانت تكسبه والدتها من بيع الجرجير يذهب بالكاد إلى مصاريف الحياة الأساسية من أكل وشرب والبقاء على قيد الحياة.

توفت الوالدة وكانت أم تامر قد بلغت 20 عاما، تركتها وحيدة مع زوج وطفل وآخر فى أحشائها، "كان لازم حد يورث المكان وإلا هيضيع، بدأت أنزل مكانها، خصوصا أن جوزى مكانش بيكفى كل مصاريف البيت، ولما نزلت، توقف عن الإنفاق، وأصبحت ملزمة بالاستمرار فى بيع الجرجير عشان أقدر أكبر عيالى، ومن يومها وأنا مش بغير مكانى".

28 عاما فى الشارع، تواجه وحدها كل ما تمر به فى الشارع من عواصف أمنية واقتصادية واجتماعية ونفسية، تتكيف وتتصدى وتصبر وتتحدى، "تعبت بس معنديش رفاهية الرجوع للبيت، أنا المسئولة".

أم تامر لا تربح كثيرا، فزوارها غالبا ما يقوموا بالفصال معها فى الشراء حتى يكاد يصل إلى حق التكلفة نفسه، تقول "بيفاصلونى فى ربع جنيه أو يطلبو زيادة الكمية، وفى النهاية لو مبيعتش الجرجير هيبوظ فبضطر أبيع حتى ولو مكسبتش والحمد لله ربنا بيرزق وساتر علينا".

أم تامر المسئولة صباحا وسيدة الأعمال والقائدة والموجهة والمديرة ظهرا، تعود ليلا لتتحول إلى سيدة البيت والتى يجب أن تتحمل مسئولياته كأم وتأدية خدماته، ليبقى الليل أمامها هو الوسيلة الوحيدة التى تلقى فيها مشقة اليوم بأكمله فى النوم، لتنقضى الساعات حتى شروق الشمس ليهل يوم جديد عليها لا يتغير منذ 28 عاما.

حالة أم تامر تتشابه مع العديد من السيدات مثلها من الباعة فى الشارع، فوفقا للأرقام الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فى 2011، نسبة المشتغلات بالقطاع غير الرسمى (2010) 46.7%، أم نسبة المشتغلات بالقطاع غير الرسمى بدون أجر(2010) 60.3%، ووصلت المرأة المعيلة إلى 16% من هذه النسبة، وتشير توقعات العاملين فى قطاع منظمات المجتمع المدنى المهتم بشئون المرأة إلى زيادة هذه النسبة بعد الثورة.

تظل أم تامر ومثيلاتها بلا ضمان اجتماعى، فعملهم فى الشارع يتطلب نزولهم اليومى وتوفر البضاعة لهم وتوفر ثمنها فى أيديهم، ويظلون بلا مظلة تأمين صحى، وتظل أغلبهن بلا قانونية للجلوس فى الشارع والمرهون بالحالة الأمنية التى تمر فيه، تواجه أم تامر كل ذلك بابتسامة لا تفارق وجهها بمجرد أن تنظر إليها تخلفها خلفها وجع وإرهاق دام 28 عاما ولم يقدر له أن ينتهى بعد، فهى ما زالت صامدة حتى تحقق حلمها بتزويج ابنها الأكبر والأصغر، بعد أن نجحت فى تزويج ابنتيها.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة