فى كتابها «أقباط مصر» تقول بربارة واترسون: إن اللورد كرومر اعترف بفشل سياسته التى وضع لها شعار «فرق تسد» بين مسلمى مصر وأقباطها، وأنه لم يجد فارقا بين سلوك الأقباط والمسلمين فى الحياة العامة، وأن الفارق الوحيد بين القبطى والمسلم هو أن الأول يصلى فى الكنيسة والثانى فى المسجد، وكرومر نفسه أصيب بحيرة شديدة، عندما وجد البابا كيرلس يغلق فى وجهه باب الكنيسة ويعيش عزلة، لأنه فى أول مقابلة مع كرومر قال له: أحدثك كمسيحى وأنت أقرب إلى من الأغلبية المسلمة التى تكرهنا فأرسل له قائلا: من قال لك إننى لست من هذه الأغلبية التى تكرهك، وكان رده حاسما ودرسا فى الوحدة الوطنية، وفى كتابه المسيحية والإسلام فى مصر للدكتور حسين كفافى يقول: «بعد نفى سعد زغلول كان معه مكرم عبيد وويصا واصف وسينوت حنا، فأرسل أقباط مصر برقيات ورسائل للإفراج عنهم ولاحظ القمص مرقص سرجيوس ذلك، فكتب فى كل الصحف يقول: «لماذا لم تمتد أشعة هذا الشعور الحار إلى إخوانى المسلمين الشيخ الغاباتى والشيخ أبو العيون ومحمد أفندى كامل حسين الذين يقاسون برد الشتاء فى سجن رفح الآن؟»
مسيحى بالأزهر
عندما اقتحم الإنجليز الأزهر فى 11 ديسمبر 1919 دقت أجراس الكنائس فى كل مصر احتجاجا لدى السلطان فؤاد، وصعد القمص سرجيوس مع الشيخ الغاباتى منبر الأزهر وخطبا سويا ضد الاستعمار حتى قيل إن العمامة السوداء والعمامة البيضاء تحتها رأس مصرى واحد.. وعندما طلب زغلول مقاطعة «لجنة ملنر» حتى يتم الإفراج عنه وزملائه ومخاطبتهم كممثلى الأمة تنافس الأقباط والمسلمون فى مقاطعة اللجنة وفى الحرب ضد كل من يتعامل معها، سواء كان مسلما أو مسيحيا، فالمصرية هنا هى الأعلى والأقدس والوطنية هى تاج المواطن، وعندما وافق يوسف وهبه باشا على تولى رئاسة الحكومة ضد الإجماع الوطنى، طلب عبدالرحمن فهمى رئيس التنظيم السرى لثورة 19 من شباب التنظيم ترويع يوسف وهبه بإطلاق الرصاص عليه، وهنا وقف عريان يوسف وقال: حتى لا يفسد الإنجليز وعملاؤهم حركتنا أنا سأفعلها وأنا المسيحى، وبالفعل نفذ العملية.
ومن أعظم قصص الفداء الوطنى ما ذكر عن سينوت حنا، هذا المسيحى المصرى الذى قال عنه سعد زغلول: «لو أنجبت شابا لما تمنيت أن تكون وطنيته مثل وطنية سينوت والنحاس» ويشاء القدر أن يموت سينوت فداء للنحاس وباختصار كما يقول د. عبدالعظيم رمضان: «بعد وزارة الطاغية إسماعيل باشا صدقى عام 1930» حيث وقع الانقلاب الدستورى الرابع، وألغى البرلمان والدستور برغبة الملك فؤاد وتنفيذ «صدقى» وهنا بشجاعة فائقة، قرر النحاس النزول للمحامين بالمنصورة وإعلان الحرب على الديكتاتور والطاغية، فأصدر صدقى أوامره بوقف القطارات وكل أنواع الموصلات المؤدية للمنصورة، ولكن حدث ما لم يتوقعه صدقى والحكومة والمحافظ، حيث زحفت الجماهير فى استقبال النحاس من النيل وأقامت له سرادق وحملته وكان معه اثنان، عن يمينه الغرابلى باشا ويساره سينوت حنا بك، وهنا انطلق الرصاص نحو النحاس، فألقى سينوت حنا بجسمه عليه وأخذ الرصاصة بدلا منه، وانتقل إلى القاهرة ينزف ثم مات فداء للنحاس.