أفهم أن يقود المدعو أبوبكر البغدادى المدعوم أمريكيا رغم «شو» القصف والشجب الرسمى، ومن بعض دول الخليج بتكوين ميليشيات مسلحة لإبقاء الفوضى فى العراق على حالها ولتعويض خفوت نجم تنظيم القاعدة، الخطر الأكبر على المنطقة والعالم.
وأفهم أن يطبق البغدادى البرنامج المصمم له بحذافيره على غرار أفلام الأكشن الأمريكية ليحوز أكبر قدر من الشهرة، ولنشر الفزع فى المنطقة، وذلك من خلال «تليفزيون الجريمة الواقعى» أى صناعة الأشرطة الدموية التى تظهر فيها مشاهد قطع الرؤوس وسبى النساء وبيعهن فى أسواق الرقيق، والقتل الجماعى والبيانات العنيفة.. إلخ.
لكن ما لا أفهمه ويحتاج إلى تفسيرات وشروح علماء النفس والاجتماع، هو زيادة التأييد لمنطق «داعش» وزعيم عصابتهم، ليس فقط فى المجتمعات العربية والإسلامية، بل فى عديد من الدول الأوروبية أيضا، ليس بين العرب المهاجرين هناك، وإنما بين الأوروبيين المسيحيين واليهود واللا دينيين أيضا!
لماذا هذا الهوس بداعش؟ لماذا تتزايد نسبة الهاربين إليها وهم فى بلادهم أو الهاربين إليها فعلا فى العراق وسوريا؟ ولماذا تتزايد نسبة الهاربين إليها بين الفتيات العربيات والأوروبيات، رغم ما يعرفنه من شرط ممارسة الدعارة الحلال أو جهاد النكاح فور وصولهن إلى أرض الميعاد المزيفة التى يبسط التنظيم المتطرف سطوته عليها؟!
نموذج الشاب المصرى إسلام يكن خريج الليسيه وجامعة عين شمس ومطارد الفتيات الروسيات على الإنترنت، الذى تحول إلى جندى مقاتل يقطع الرؤوس وسط داعش، بالعراق، ليس هو النموذج الوحيد، وإن كان معبرا عن حالة المرض الذى تفشى فى المجتمعات العربية نتيجة عهود طويلة من الكبت السياسى والاجتماعى، لم تجد ثلاثة أجيال على الأقل متنفسا لتتحقق سياسيا أو اجتماعيا، والنتيجة جملة من الأمراض والعقد الناشئة عن غياب الذات، والتشوهات التى تنطلق فور أن تجد فرصة لتحول البشر إلى وحوش طليقة لاراد لغرائزها أو وحشيتها.
الغريب أن استطلاعا حديثا للرأى نشرته العربية نت أثار الرعب وسط الدوائر الغربية، أفاد بأن أكثر من ربع الشباب الفرنسى الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما يؤيدون داعش ويتعاطفون معه، وتراوحت النسبة فى بريطانيا حول %7 من عدد السكان «وهى نسبة ضخمة جدا» زادت إلى %11 بين الفئة العمرية من 35 إلى 44 عاما ولم يعدم داعش مؤيدين له فى ألمانيا والنمسا والجمهوريات السوفيتية السابقة، هذا ناهيك عن ماليزيا التى تورد الفتيات والنساء للجهاد المقدس بالسلاح والأجساد للترفيه عن المقاتلين.
قد يفسر هذا الاستطلاع استمرار توافد الشباب والفتيات الأوروبيين على العراق وسوريا للقتال والتمتع بجو الأكشن على الطبيعة، جنبا إلى جنب مع الشباب العربى والمسلم المأزوم واليائس الهارب من حياته إلى الموت ولكن بعد أن يفرغ طاقة الكبت والغضب داخله بالنساء والقتل وادعاء بطولات وهمية.
الهوس بداعش أو تأييد التنظيم المتطرف أو التعاطف معه رغم كل ما يرتكبه، يحتاج أكثر من الشجب والامتعاض والاستغراب، يحتاج إلى العلاج، لأنه مرض ناتج عن تشوه نفسى وانحراف عن الفطرة السوية، وأولى خطوات العلاج، بوقف كل أشكال التمييز والتحريض والتطرف فى المدارس وتجفيف ينابيعه ومنع رموزه من الصعود للمنابر، والاهتمام بالتعايش المشترك كأساس لنهضة المجتمعات العربية والإسلامية جنبا إلى جنب مع حماية الحريات، وفى مقدمتها حرية المعتقد.