الثقة هى العنوان الأبرز لاستجابة المصريين لشهادات استثمار قناة السويس، ليس بين الشعب والرئيس السيسى فحسب، ولكن للمسار السياسى برمته، فالذين كانوا يقفون طوابير إبان حكم مرسى وإخوانه أمام البنوك لسحب مدخراتهم، هم أنفسهم الذين وقفوا طوابير لشراء الشهادات، وتحمل أيضًا رسالة شعبية للمتربصين باستعدادهم لمساندة مشروعات مستقبلية.
وتبرز ضرورة استثمار «مخزون الثقة» سياسيًا باستكمال «خريطة الطريق» بالانتخابات البرلمانية لتشكيل «ظهير شعبي» للقيادة السياسية التى ينبغى عليها التقاط المؤشرات الإيجابية لأثمن الاستثمارات، وأقصد الإنسان الذى تعرض لتخريب أجيال، سواء بمنظومة تعليمية فاشلة، أو اختراقها بمفاهيم متطرفة تعادى الحياة، وتقتصر اهتماماتها بالموت، وتحقير الحضارة الإنسانية والارتداد للماضى، دون السعى للمساهمة بصناعة المستقبل، ومواجهة أزمات الواقع بتفاؤل، ورغبة صادقة بتغييره وتطويره للأفضل.
استثمرت دول الخليج بالأجيال الشابة فتعلموا بأحدث المناهج التربوية ببلادهم وخارجها، بينما تراجعت مؤهلات المصريين بوضوح، وتقتضى المكاشفة الاعتراف بكارثة الأمية، فمعدلاتها مازالت الأعلى بالمتوسط الدولى، بل والدول المشابهة لظروفنا الحضارية، والأسوأ هو «الأمية المقنعة»، وأقصد الذين تخرجوا فى الجامعات، ويخطئون حتى بقواعد الإملاء.
الاستثمار البشرى يعنى ببساطة إعادة تأهيل الأجيال التى انقسمت بين تعليم ممتاز مُكلف للأغنياء، ورخيص حكومى سيئ للفقراء، وحسم ظاهرة «الدروس الخصوصية» ليستعيد التعليم دوره كوسيلة للصعود الاجتماعى، وينسف «التكلس الاجتماعى» فلا يمسى الفقر كأنه قدر شرائح واسعة، تمثل «بيئة حاضنة» للتطرف الدينى والانفلات الأخلاقى والانحراف الإجرامى. «مخزون الثقة» يفرض اعتبار التعليم والبحث العلمى مشروعًا قوميًا، فالإنسان صانع الحضارات، ومدمرها أيضًا، والتحديات مفزعة، فهناك نحو %40 فقراء وفق تقارير الأمم المتحدة للتنمية، والبداية بالمعلمين والمناهج الدراسية، وصولاً للمعايير المتعارف عليها لجودة التعليم، فهؤلاء «صنّاع المستقبل»، وبوسعنا تأهيلهم ليصبحوا كفاءات بشتى المجالات، بدلاً من تحولهم لطاقات سلبية مأزومة تهدم الوطن.
وإذا كان الرئيس الراحل عبدالناصر قدّم نفسه كزعيم انحاز للفقراء وبشر بالقومية العربية، فقد طرح السادات نفسه كبطل للحرب والسلام و«كبير العائلة» ليأتى مبارك بعنوان: «الضربة الجوية»، واعتباره «والد المصريين»، وحمدًا لله اقتصرت ولاية «خليفة الإخوان» بعام وحيد، ليأتى السيسى بصيغة «الرئيس الشريك»، ويرسخ مفهوم «الشراكة» بأقواله وأفعاله، وأحدثها مشروع قناة السويس، فلم يمنح المواطنين «وعودًا»، لكنه أبرم «عقودًا» ليؤكد أن مفتاح نجاح المشروعات الكبرى يكمن بثقة وتناغم الشعب وقيادته، والوفاء بالالتزامات المتبادلة، لننطلق لمنظومة التعليم، وتنمية سيناء والصعيد وغيرها.