أدركت بريطانيا تطلعات الأسكتلنديين نحو الانفصال منذ عشرينيات القرن الماضى، لرغبة السكان فى الاستقلال بالهوية والتخلص من سيطرة المملكة المتحدة، وكذلك رغبتهم فى بناء دولة قوية اقتصادياً، كما أدركت لندن خطورة امتداد تلك الفكرة إلى أقاليم الاتحاد الأوروبى البريطانى، بما يعزز النزعات الانفصالية لأقاليم الشمال أو حتى إقليم ويلز.
ولكن كيف تعاملت الدولة الإنجليزية مع تلك الأزمة، وكيف أزعجتها فكرة الانفصال، فى الوقت الذى باركت فيه تلك الدول انفصال دول بالشرق الأوسط، مثل جنوب السودان، وحشدت لندن كل طاقتها لإقناع الأسكتلنديين بالبقاء ضمن المملكة المتحدة، والحيلولة دون انفصال تلك الدولة، والمحافظة على وحدتها، وظهر ذلك جلياً فى تصريحات رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون، والتى قال فيها، "إننا أفضل معاً.. وسننهض معا"، محذراً فى الوقت نفسه من خطورة الانفصال وعواقبه الاقتصادية، وما يترتب عليه من حرمانها من المنحة الأمريكية، والتى تقدر بـ30 مليون جنيه إسترلينى، وكذلك حرمانها من تمويلات أوروبية بمليارات الدولارات، فضلاً عن احتمالات ألا تحظى بنفس شروط عضوية الاتحاد الأوروبى التى تحظى بها بريطانيا.
كما أن تصريحات وزير الخارجية وليم هيج، والتى أكد خلالها أن انفصال أسكتلندا يعنى دون شك أنها سوف تتقدم بطلب للاتحاد الأوروبى، الأمر الذى سيستغرق سنوات، على حد تعبيره، فضلاً عن الشروط الصارمة لنيل تلك العضوية، مستدلاً بالعواقب الاقتصادية التى حذر منها وزير الخزانة البريطانية العام الماضى من أن استقلال أسكتلندا سيخلف قطاعا متضخما، ما يعرضها لخطر الوقوع فى أزمة بنكية شبيهة بالتى حدثت فى قبرص.
أما عن الولايات المتحدة الأمريكية فقد لعبت دوراً رئيسياً لمنع انفصال أسكتلندا، والوقوف بجوار حليفها الأقوى إنجلترا فى تلك الأزمة، وهو ما ظهر فى تصريحات الرئيس الأمريكى باراك أوباما، والتى ألمح فيها لخطورة الانفصال على الدول، مؤكداً دعمه للدولة البريطانية، وأنها "شريك قوى وفعال وموحد"، حتى انتصرت المملكة المتحدة فى تلك المعركة، ورفض الأسكتلنديون الاستقلال عن بريطانيا بنسبة 55,3% من الأصوات فى الاستفتاء، بفارق كبير عن مؤيدى الاستقلال الذين حصلوا على 44,70% من الأصوات، بحسب الأرقام الرسمية.
وهنا لابد أن ننتبه لتحول نظرة الولايات المتحدة فى قضية انفصال الدول، وكيف اختلفت تلك النظرة إذا ما تعلق الأمر بدولة أوروبية، خاصة إنجلترا حليفها الأهم، أما إذا تعلق الأمر بدول الشرق الأوسط، أو ما تعتبره "العالم الثالث"، فنجد أن أمريكا لعبت دوراً رئيسياً وفعالاً فى إزكاء نار الفتنة بين تلك القبائل فى تقسيم دولة مثل السودان، وسخرت طاقاتها لمساعدة الانفصال بدولة الجنوب، وكانت واشنطن الراعى الرسمى لانفصال جنوب السودان، ثم راحت تسوق تلك الجريمة وتصفها بالعرس الديمقراطى والتجربة الناجحة، الأمر الذى ثبت عكسه فيما بعد، حيث يعكس رغبة الغرب وأمريكا فى فرض سياساته الاستعمارية لتقسيم الوطن العربى إلى دويلات صغيرة، وما يخلفه ذلك من تأصيل العنف والإرهاب، وعندما تعلق الأمر بدولة أوروبية وهى أسكتلندا فنراهم قد انزعجوا جدا من فكرة التقسيم وراحوا يحشدون قوتهم لمنع ذلك الانفصال وتغير موقف الإدارة الأمريكية 180 درجة، ليس ذلك فحسب، ولكنها بدأت تحذر من خطورة الانفصال وعواقبه على الدول، فإلى متى ينظر الغرب وأمريكا إلى دول العالم الثالث نظرة استعمارية، فى الوقت الذى ينادون فيه بالحرية والديمقراطية؟ لابد أن نتيقظ نحن العرب، وأن نعيد النظر فيما يحدث فى "العراق وسوريا والسودان والبحرين واليمن....".
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد نور
مقاااااااااااال رائع جداااا
تسلم ايدك مقاااااااااااال رائع جداااا