الإسلاميون يتفوقون فى الريف ويراهنون على العمل الاجتماعى
فى الوقت الذى جاوب فيه الرئيس السيسى بلاد العالم من أجل الدفاع عن الشعب المصرى، ويقدم المشروع القومى تلو الآخر، تلعب النخب «المدنية» و«الإسلامية» لعبة الكراسى البرلمانية، ويدور صراع بارد وساخن بين «أركان» النظام القديم «المباركى» والجديد «السيساوى».. بل ويصل الأمر إلى أن قامة مثل هيكل تخرج إلينا عبر أحد البرامج الفضائية بإذاعة أسرار «ادعى أنها قيلت» فى لقائه مع الرئيس السيسى.. ما كان يجب أن تقال، ومع كامل احترامى للأستاذ هيكل فأى صحفى مبتدئ عادة ما يسأل المسؤول بعد انتهاء لقائه به.. عما يجب أن يقال وينشر، ولكن يبدو أن عامل السن وهجرة المريدين وتحول البعض منهم قد دفعت بالأستاذ إلى ذلك «المنزلق»، بل ووصل الأمر إلى التهكم على بعض أقرانه من كبار السن من السياسين المصريين!!
يحدث ذلك فى الوقت الذى تتخبط فيه القوى المدنية، ويحاول الدكتور كمال الجنزورى وبعض حكماء هذا الوطن، لم شمل المعارضة، كل ذلك دعانى إلى مراجعة ما تقوم به فى صمت القوى الإسلامية بقيادة حزب النور، حيث تشكلت جبهة تضم «النور والوطن، البناء والتنمية، الفضيلة، الوسط» وتجرى مفاوضات مع مصر القوية، فى حين أكدت جماعة الإخوان المسلمين إلى أنها ستدعو أعضاءها وجماهيرها إلى التصويت للمرشحين الذين يرفضون ثورة 30 يونيو أو من يؤيدون تطبيق الشريعة ويرفضون القوانين «الوضعية»!!
لمزيد من إدراك ما تقوم به الجبهة الإسلامية من استعداد للانتخابات.. زار النائب «السلفى» عن النور، أشرف ثابت، أحد كبار المسؤولين ليطالب بنصيب الإسلاميين فى القوائم القومية؟!!
التصويت للدساتير والرؤساء تختلف
يعيش البعض فى «وهم» الاعتماد على تصويت الشعب على الدستور أو الارتكاز على الظهير الاجتماعى والسياسى للرئيس السيسى ولكن..عند المقارنة بين أرقام المصوّتين فى الاستفتاءات على الدستور والانتخابات الأخرى، نجد أنّ نسبة المشاركين فى الاستفتاء تقلّ بالفعل عن كلٍ من انتخابات مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية؛ وعلى سبيل المثال.. بلغت نسبة المصوّتين فى الاستفتاء على دستور 2012: «32.9%»، بينما وصلت هذه النسبة إلى نحو «55.7%» انتخابات مجلس الشعب السابقة «2011 / 2012»، و%49.6 تقريبًا فى الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة التى أجريت فى يونيو 2012، وهو فرق كبير له أسبابه.
يرجع ارتفاع المشاركة الشعبية فى الانتخابات البرلمانية مقارنة بالاستفتاءات إلى عدة أسباب منها: العلاقات الاجتماعية والعائلية والقبلية، والطائفية بين المرشحين أيا كانت انتماءاتهم السياسية والناخبين الذين يدعمون مرشحيهم المنتمين إلى العائلة أو الجهة أو القبيلة، أو الطائفة نفسها. إضافة إلى الدور الذى تلعبه الخدمات الجهودية فى اختيار المرشح، أكد لى الناشط السياسى والاجتماعى مجدى ملك أنه منذ انتخابات 1964 وحتى انتخابات 2012 لم يدخل نائب واحد من نواب الصعيد لجنة الخطة والموازنة فيتركزون دائما فى لجان مثل الصحة والشباب غيرها للحصول على الخدمات مثل المخابز والعلاج على نفقة الدولة وغيرها من الخدمات.
رسائل لمن يهمه الأمر
التصويت بنعم على دستورالإخوان والأحزاب المؤيدة لهم فى «2012»، وتراجع نسب الإقبال التقريبية على دستور 2014، تشير تلك النتائج إلى استمرار حصول الإسلاميين على «تأييد شعبى فى المناطق الريفية والصعيد» ويمكن استنباط ذلك أيضا من مقاطعة فئات بعينها فى استفتاء 2014، إذ صوتت هذه المناطق فى المجمل بقوة لصالح الدستورالإخوانى، ولكنّ الأمر اختلف فى المدن الكبرى، إذ صوتت الأغلبية لرفض الدستور فى «القاهرة والغربية والمنوفية والمنصورة والإسكندرية» يعود السبب الرئيسى لهذه النسب بأن القوى الإسلامية اخترقت الريف ولم تستطع أن تخترق الحضر، وهم الآن يحاولون التغلب على تلك العقبات عن طريق محاولات استقطاب مرشحين من الطبقة الوسطى والنساء والمسيحيين، ووفق ما توفر من معلومات فإن حزب الوسط استقطب للنور 23مرشحا مسيحيا، وللنور 43 مرشحا مسيحيا آخرين كلهم من الطبقة الوسطى، أى أنه عكس ما يشاع، فإن للجبهة الانتخابية الإسلامية 66 مرشحا مسيحيا، إضافة إلى 37 مرشحة.. وأكد لى مصدر من قيادات الوسط أن %50 على الأقل من مرشحى الجبهة الإسلامية سوف يفوزون فى الانتخابات، واستطرد: نحن لا نريد الحصول على الأغلبية بل الأكثرية، فى إشارة للثلث المعطل.
رسائل التصويت إلى المعارضة
على عكس ذلك فشلت حتى الآن النخب المدنية فى الاستفادة من أخطائها التى ارتكبت من 2011 حتى الآن، حيث لم تستطع تقديم خطاب اجتماعى وسياسى مقنع للفئات الريفية وأوساط الصعايدة ، كما فشلت أيضًا فى التواصل المباشر من خلال كوادرها الحزبية أو مؤسساتها الاجتماعية «إن وجدت» ويعنى ذلك أنّ «القوى المدنية» ستبقى خارج دائرة التأثير المنافس للقوى الإسلامية ما لم تكفّ عن الاستعلاء على الفئات الشعبية، للعلم للجمعيات الإسلامية الاجتماعية %31 من المؤسسات الاجتماعية فى مصر حتى الآن، وتخدم قطاعات واسعة من فقراء الريف فى الوجة البحرى والصعيد.. فى حين لا تزيد نسبة الجمعيات «المسيحية» على %9 ويصعب التكهن بما يسمى الجمعيات المدنية الاجتماعية، وإن كانت المؤشرات تشر إلى تدنيها !!
خلاصة القول: إن القوى الإسلامية تراهن على المناطق الريفية خاصة فى شمال الصعيد، وفى عمق الدلتا، وإلى تراجع شعبية المدنيين فى الإسكندرية بعد تفتت حلف 30 يونيو والاختلاف على قانون التظاهر.. وكما أكد لى أحد قيادات حزب النور، أن نسبة تصويت القوى المدنية والمسيحيين فى الإسكندرية لا تزيد الآن على %30 فى حين كانت من قبل %70.. وأشار إلى أن حزب النور وحلفاءه سيحصدون قائمتى الصعيد، والإسكندرية والبحيرة ومطروح، نظرا لتفتت القوى المدنية، وحتى الآن يبدو أن الأمر به شىء من الصحة؟!
كما تجدر الإشارة إلى أن القوى الإسلامية.. قد بدأت بالتسخين للفتن الطائفية مثلما يحدث فى «جبل الطير بسمالوط بالمنيا» حاليا وتراهن فى ذلك على إثارة بعض المرشحين الأقباط إلى الشحن الطائفى «حول بناء كنيسة أو هروب سيدة مع رجل مسلم» ودائما «الأغبياء من الطرفين» تحت الطلب وفى الخدمة، ويكفى أن أؤكد أنه فى نطاق محافظة المنيا وفى شهرى أغسطس ومنتصف سبتمبر تم إخماد خمسة اضطرابات طائفية.. فى حين تعرف هذه المنطقة بأن نسبة التصويت للمواطنين المصريين المسيحيين تقترب من «%40» الأمر الذى يجعل القوى الإسلامية تعمل على محاولة إثارة النعرات الدينية وصولا للاستقطاب الطائفى، حتى تحيد أو تهمش تلك النسبة التصويتية المسيحية، وبعض أجهزة النظام القديم المباركى تعمل على تفتيت أصوات المسيحيين عبر إثارة الغرائز الانتخابية فى وسط الصعيد محاولين إقناع أكبر عدد ممكن من المرشحين المسيحيين بأنهم صالحون للترشح، الأمر الذى سيؤدى إلى تفتيت الأصوات بين القرى والعائلات القبطية!!
إننا أمام معركة جادة ومصيرية حول مستقبل الوطن، بين القوى الإسلامية والقوى المدنية.. تتكاتف فيها القوى الإسلامية وتتطاحن فيها القوى المدنية.
اللهم إنى قد بلغت اللهم فاشهد.