جوجل وغيره من محركات البحث يعمل من أجل حفظ وتصنيف المعلومات وإتاحتها للناس بالمجان ما يحقق ديمقراطية المعرفة، ويساعد فى الوقت نفسه على التحول إلى مجتمع المعرفة، لكن جوجل الاختراع والتطبيق العظيم حوله المصريون من وسيلة شبه محايدة إلى وسيلة إفساد فوضوية لحياتنا العلمية والصحفية!!
باختصار، وصراحة، اللمسة المصرية حولت جوجل من وسيلة مساعدة لجمع وتصنيف المعلومات والتدقيق من صحتها إلى فضاء لممارسة الفهلوة المصرية!! فطلاب المدارس والجامعات عندما يكلفون ببحوث أو تقارير يتجهون مباشرة إلى جوجل كى ينقلوا بلا جهد أو فهم مقالات أو أبحاث يقدمونها إلى أساتذتهم على أنها ثمار جهدهم، والكارثة أن أغلب الأساتذة لايدققون، ويقبلون ما يقدمه الطلبة على ما فيه من قصور أو مبالغات أقلها النقل الكامل أو الجزئى لبحث أو مقال منشور فى عالم جوجال، أما الأساتذة الذين يدققون.. ويرفضون ويتمسكون بضرورة أن يتجه الطلبة إلى المكتبات وقواعد المعلومات فإنهم صاروا أقلية مهزومة أو قديمة.
سرقة المعلومات والانتحال بشكل كامل أو جزئى من جوجل أسميها «الجوجلة» وهى للأسف فساد ممنهج ومعمم لم يقتصر على طلبة المدارس والجامعات، وإنما انتشر فى الصحافة والإعلام ورسائل الماجستير والدكتوراه فى مصر والدول العربية، أى أنها ليست مجرد فهلوة مصرية وإنما فهلوة عربية، لأن بعض الصحفيين ينقلون من جوجل موضوعات وتحقيقات سبق أن نشرها زملاء لهم من شهور أو سنوات، وبعض هؤلاء «المجوجلون» ينقلون من أكثر من مصدر ويعيدون صياغة التحقيق أو المقال، والبعض ينقل حرفيا ومن مصدر واحد، والطريف أن بعضهم ينقل أخطاء وقع فيها أصحاب المقال أو التحقيق الأصلى، ونفس الظاهرة يمارسها بعض طلبة الماجستير والدكتوراه، حيث ينقل الطالب صفحات وأحيانا فصولا من بحث أو كتابا منشورا فى جوجل من دون أن يشير إلى المرجع الأصلى وأحيانا ينقل الأخطاء التى وقع فيها المرجع الأصلى.
الجوجلة سواء فى المدارس أو الصحافة أو الرسائل العلمية هى سرقة بالمعنى الحرفى للكلمة، وهى نوع من الغش والنصب والاحتيال لا صلة له بالعلم أو الصحافة أو الأخلاق، والأخطر أنه يسمح بنوع من التنشئة الاجتماعية والمهنية يقوم على الكذب والغش، لذلك لا بد من فضح الجوجلة والتصدى لها بكل حزم، وهذا ما يجرى العمل به فى الدول المتقدمة والتى عانت من ظاهرة السرقة والانتحال العلمى، ومن ثم سارعت باستخدام برامج وتطبيقات على الإنترنت تكشف عن مصادر كل بحث أو مقال خلال دقائق، بل وكل فقرة من فقرات البحث أو المقال، مما قلص من الظاهرة وأطاح بأسماء وشخصيات كبيرة، بعد أن ثبت تورطهم فى الانتحال والسرقات العلمية، لكن المشكلة أن المبرمجين العرب لم يطوروا برامج كافية ورخيصة للكشف عن الانتحال أو السرقات العلمية فى النصوص العربية، لذلك أتمنى أن ينجح المبرمجون فى تعريب برامج وتطبيقات الكشف عن الانتحال والسرقات العلمية، وأن تنتشر هذه البرامج فى المدارس والجامعات، بحيث تتوقف ظاهرة الجوجلة، ويعرف كل مجوجل أن الكشف عن جريمته أمر سهل وممكن، ويعرضه للفصل من المدرسة أو الجامعة أو الصحيفة التى يعمل بها.
ما زالت برامج الكشف عن الانتحال والسرقات باللغة العربية ضعيفة وغير معروفة فى المدارس والجامعات ووسائل الإعلام العربية، وهناك محاولات من جوجل نفسه ومحركات أخرى لتوفير خدمة الكشف عن الانتحال والسرقات العلمية والصحفية، وهناك من يرى أن المحركات أكثر قدرة من البرامج للقيام بهذه المهمة، وعموما فإننى أتمنى سرعة تعريب ونشر منظومة برامج المراقبة والتدقيق فى المدارس والجامعات حماية لقيم الأمانة العلمية وحفاظا على حقوق المؤلفين والناشرين.
كلمة أخيرة، العيب ليس فى محرك جوجل وأخواته فهى أدوات لخدمة العلم والمعرفة، لكن العيب فى استخدامنا لها، ونحن المصريون والعرب نجحنا للأسف فى اكتشاف استخدامات سيئة لأشياء كثيرة لم يفكر فيها الذين اخترعوها!! مثل الموبيلات والفضائيات الطائفية والفيس بوك، والميكروفونات التى تصرخ ليل نهار فى شوارعنا.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
حر
تعقيب
عدد الردود 0
بواسطة:
سوسن مصطفى على
مقال ممتاز