فى اللحظة التى تم فيها الإعلان عن تأسيس التيار الشعبى عام 2012، كان الواقع السياسى يحتاج إليه بالفعل، كانت جماعة الإخوان تعيش أعلى لحظاتها ففى حوزتها منصب رئيس الجمهورية عبر مندوبها محمد مرسى، وعبر الممارسات الفاشلة لـ«الجماعة» و«مرسى» تعاظمت فرصة المعارضة بحالتها الشعبية الفريدة، ووجد الكثيرون فى الفكرة التى أطلقها حمدين صباحى وعرفت بـ«التيار الشعبى» كيانا مؤهلا للتعبير عن هذه المعارضة ــ كنت واحدا من مؤسسيه ــ ولعل المؤتمر الجماهيرى لإعلان تأسيسه الذى حضره عشرات الآلاف فى ميدان عابدين كان دالا على ذلك، غير أن السؤال الذى يفرض نفسه الآن، كيف سيكون حال هذا التيار بعد تحوله إلى حزب سياسى؟
تعبير «التيار» يعنى سياسيا أنه حالة عابرة للأحزاب، يعنى أن رؤيته الفكرية أوسع من رؤية الأحزاب، يعنى أن المنخرطين تحته أكثر عضوية من أى حزب، يعنى أنك قد تبعد عنه حركيا، لكن لا تنصرف عنه فكريا، وبصرف النظر عما إذا كان «التيار الشعبى» تنطبق عليه بالفعل المعايير السياسية والفكرية لمعنى ودلالة تعبير «التيار»، إلا أن تأسيسه سبقت فيه الحالة الحركية على الحالة الفكرية، وفى حالته الحركية تغلب الهدف المرحلى المتمثل فى معارضة الإخوان على كل الأهداف الأخرى، ولم تحظ الأهداف التى أعلن عنها حمدين صباحى فى كلمته أمام مؤتمر عابدين بأى تفعيل على أرض الواقع، وكان أهمها إشاراته بأن تكون وحدات التيار فى كل قرية وكل حى بمثابة القيادة الاجتماعية للمكان عبر تداخلها فى حل مشاكله، وقوله بكل وضوح، إن التيار يضم فى عضويته أى عضو من أى حزب، فيما يعنى أن انتماءات العضو لحزبه باقية.
ولأن معارضة الإخوان كهدف حركى لـ«التيار» تصدر كل الأجندات، ولأن شروط عضوية «التيار» لم تصطدم بمسألة البقاء فى عضوية الأحزاب، انضوى تحت رايته أطياف سياسية من اليسار واليمين والناصريين، وآخرون لا يتبنون رؤية أيدلوجية قاطعة، وإنما وجدوا فى «التيار» لوحة معبرة وبقوة عن معارضة حكم «الجماعة»، ومن يعود إلى شكل المنصة يوم مؤتمر عابدين والأشخاص الذين تحدثوا عليها سيتأكد أننا كنا بصدد طيف وطنى واسع، يجتمع على هدف كبير، لكن فى التفاصيل يبقى الخلاف الفكرى والسياسى قائما، ومع كل هذه الاعتبارات يحسب لـ«التيار» أنه قاد معركة هائلة ضد حكم الإخوان، وضد حكم «مرسى»، وبالرغم من تقديم «التيار» لرؤى مهمة فى قضايا اقتصادية وسياسية وفى مسألة الوحدة الوطنية، إلا أن ذلك كله كان فى الصورة الجماهيرية فى مرتبة أقل من الصورة التى انطبعت فى أذهان الناس وهى «معارضة حكم الإخوان».
تقودنا هذه الخلفية إلى القول بأن هناك تحديا كبيرا أمام «التيار الشعبى» كحزب فى حال استكمال مراحل تأسيسه، فالزخم السياسى الذى كان عليه لم يعد موجودا، كما أن عضويته التى كانت عابرة لعضوية الأحزاب، ستعود إلى ممارسة نشاطها عبر أحزابها، طالما أن «التيار» حول نفسه إلى حزب، وبالتالى سيفقد «التيار» عشرات بل مئات من كوادره، ومن موقع محبتى واحترامى وصداقتى للذين يتصدون لقيادته، أعبر عن خشيتى من أن نكون أمام حزب جديد، مجرد رقم تتم إضافته إلى الأحزاب الموجودة التى لا يعرف المصريون عددها.