لو كنت مكان الحكومة لنظمت ندوة كبرى احتفاء ببلوغ الأستاذ محمد حسنين هيكل عامه الحادى والتسعين، ولو كنت مكان مؤسستى الأخبار والأهرام – أسهم فى تطوير الأولى وأعاد إحياء الثانية - لشاركت بنصيب فى هذه الندوة، لكن للأسف.. نحن لا ندرك قيمة الرجل العظيم الذى يعيش بيننا يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق إلا بعد رحيله!
أرجو ألا تظن أننا نطالب بتقديس الرجل، أو وضعه فى مكانة المعصومين من الخطأ، فهذا غير مطلوب بالمرة، فالاختلاف مع آراء الأستاذ وارد وبقوة، لكن ما يهمنى هو التعامل مع «تجربة حياة» صاحب «خريف الغضب» بكل حماسة وانتباه، فقد عمل بالصحافة منذ 72 عامًا، وتولى تغطية الحرب العالمية الثانية، وحرب البلقان، وفلسطين، وكوريا، بوصفه مراسلاً حربيًا ماهرًا، كما كان رئيس تحرير «الأخبار» و«آخر ساعة» ثم «الأهرام»، علاوة على كتبه المهمة المحتشدة بمئات الوثائق التى تفضح مكائد القوى الكبرى وألاعيبها، فإذا أضفنا إلى كل ذلك دوره المحورى مع عبدالناصر والسادات تيقنا أن الرجل يمتلك تجربة بالغة الندرة والثراء.
للأسف لم يكمل الأستاذ هيكل حلقات «تجربة حياة» التى كانت تذيعها قناة الجزيرة، وليته يواصل فى قناة مصرية لنكتشف المزيد من أسرار وحياة أخطر «جورنالجى» مصرى وعربى فى القرن العشرين.
من أجمل خصال الأستاذ غرامه اللامحدود باللغة العربية وآدابها، فهو يحفظ المئات من أبيات الشعر، يستدعى منها ما يوافق المناسبة التى يتحدث فيها، كما أنه يتمتع بذاكرة حديدية، ومقدرة مدهشة على تنظيم وقته وتدوين يومياته، وأذكر حين نال كتابى «تاريخ الرسم الصحفى فى مصر» الجائزة الأولى فى مسابقة جائزة أحمد بهاء الدين أن الأستاذ كان على رأس المنصة فى الاحتفال الذى أقيم بمكتبة القاهرة عام 2002، ولما أنهيت كلامى عن أبرز الرسامين فى الصحافة تلقانى بابتسامة، وقال لى: «لكنك نسيت سانتيز»، فأخبرته أننى ذكرته فى الكتاب، فأردف قائلا «ما دمت قد ذكرته.. برافو عليك»، و«سانتيز» رسام إسبانى جاء إلى مصر عام 1921!
أرأيت ذاكرة الرجل وحيويته!
أستاذ هيكل.. كل عام وحضرتك مشمولًا بالصحة والسعادة والحبور.