ربما يبحث السادة الزعماء عن السبب الذى جعلهم يقفون بعيدًا فى عزلة عن المجتمع وعن أنفسهم، يكتبون كثيرًا ويتحدثون كثيرًا بكلام متشابه، يشبه السياسة، ولا يحتوى غير الألفاظ الساخنة والشتائم أو ما يرونه انتقادات، هى غالبًا منقولة من مصادر النضال الكلاسيكى، ومرصعة بكلاشيهات شعرية وأدبية من نفس التراث، وبعضها مقولات ضخمة فقدت معناها من كثرة الاستعمال، وابتعادها عن زمانها ومكانها وواقعها، فضلًا على أنها غارقة فى السوداوية، تفتقد لأهم ما يمكن أن يمثل الثورة والأمل والوضوح والمسارات التى يمكن أن يقدمها الزعماء كبدائل لما ينتقدونه، مع قراءات لما يجرى فى المكان الزمان والحسابات الإقليمية والدولية.
ما يحدث طوال ما يقرب من أربع سنوات هو تكرار خطاب محنط وخشبى قديم، يتناقض مع كونها ثورة شباب فى الأساس.. خطاب يستدعى مقولات وكلاشيهات بعضها يرجع للقرن الثامن عشر فى أيام المد الاشتراكى الأول وثورات العمال، وهى مقولات لم تقد فى الأصل لانتصار، أو أنها قادت لأنظمة فاشلة أو متسلطة، لكن الزعماء يعيدون ترديدها، بما تحمله من رنين صوتى، بلا بحث عن الفرق بين الكلام والفعل.
اليوم نحن نرى تأثير «تويتر» و«فيس بوك» طاغيًا، حتى على التحليلات التى يقدمها من ينتسبون للثورة، ويتسرب إليها غالبًا الكثير من الشائعات والمقولات الكثيرة دون أن يقدموا بديلًا لواقع لا يكفون عن انتقاده. لم يتوقف كثير من الزعماء الافتراضيين عند الحالة التى وصلوا إليها، وجعلتهم مجرد متكلمين ومتحدثين، يخاطبون بعضهم وجمهورهم الذى يتقلص مع الوقت، حتى تفرغ بعضهم لأن يكون هدفهم الغيظ والكيد السياسى لغيرهم أو منافسيهم على صفحات التواصل، أو فى المنتديات والندوات التى يحضرها أصدقاؤهم و«يشيرون» نتائجها، وأصبح الانتصار لديهم هو أن يغيظوا خصومهم أو المختلفين معهم، وخلق حالة من التلاسن المتبادل بين ثوار سابقين وفلول سابقين، بينما الأهداف والوقائع كلها غائبة تكاد تبتعد يوميًا بمسافات بعيدة، ولم تعد أهداف الثورة تهم كثيرًا، أو يتوقف عندها الزعماء المشغولون بغيرهم أكثر من انشغالهم بالأهداف والتعيير.
والنتيجة أننا أمام نظريات للكيد السياسى، والانتصارات التى تتحقق فقط لمجرد هزيمة الخصوم، هزائم تكتيكية، وليس تحقيق أهداف، أو الانغماس فى فعاليات هامشية ترضى غرورهم ومؤيديهم على مواقع التواصل الاجتماعى.