الانبا ارميا

"المَرايا"

الجمعة، 26 سبتمبر 2014 11:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقولون: "لا تفترض أن الواضح هو الحقيقة".. نعم، ففى الحياة قد تبدو الأشياء غير واضحة المعالم، والأكثر أهمية من ذٰلك هو معرفة الأسباب الحقيقية لما نراه، وفى طريق الأيام الذى يسيره الإنسان هناك ما يقبله، وما قد يرفضه ويعتبره مشكلة تؤلمه، ولٰكن حاول أن تعرف أسباب ما ترفضه أو يؤلمك، ولا تضع أمام عينيك المبررات؛ فهى خُدعة لن تصل بك إلى شىء سوى الاستمرار فى الألم.

انتبه أين تكمُن المشكلة، واسعَ نحو إيجاد حلول لها بدلًا من رفض مظاهرها، يقولون: "الحل لأى مشكلة موجود مسْبقا؛ كل ما علينا أن نطرح الأسئلة الصحيحة التى تكشف الحل".

لاحظ "شريف" اختفاء المرآة من حمام منزله، وإذ سأل والدته عنها، قالت إنها كُسرت. فأحضر "شريف" مرآة جديدة جميلة، وثبتها فى الحمام، ولٰكن فى اليوم التالى لم يجدها فى موضعها! وعندما سأل والدته، أجابته أن أباه أمسك بالمرآة وكسّرها فى ثورة عارمة عندما تطلع إليها وأظهرت وجهه قبيحًا ومملوء غضبا!! وهنا صمت شريف ووالدته، إذ أدركا السر من اختفاء المَرايا فى المنزل؛ فالأب يُلقى باللوم على المرآة لا على نفسه، حتى إنه فى إحدى ثورات غضبه الشديدة، قرر ترك المنزل ذاهبًا إلى قرية بعيدة يجرب الحياة فيها؛ فإذا وجد راحته، قضَّى فيها بقية عمره!!!

حمل الرجل أمتعته، وسافر إلى القرية، وفى صباح أحد الأيام بينما حكيم القرية يتمشى على ضفاف نهر القرية الصافى، وجد رجلًا ثائرًا ثورة عنيفة، ممسكًا بحجارة صغيرة ويُلقى بها فى النهر كأنه ينتقم منه!! توقف الحكيم ليهدئ من روع الرجل، ثم سأله عن سر ثورته، فقال: لقد هربتُ من بيتى وأسرتى وعملى بسبب تعنيفهم إياى، وبسبب المَرايا التى كلما نظرتُ فيها لا أرى إلا وجهًا عابسًا، فقررتُ الرحيل واللجوء إلى هٰذه القرية الجميلة، ومع بَدء الصباح أردتُ التجول فى القرية، ولم أدرِ بنفسى إلا وأنا أمام هٰذا النهر، وحين تطلعت فيه لم أجد إلا وجهًا غضوبًا؛ فالتقطتُ حجارة أضربه بها لأنه يشوه صورتى!!!

ابتسم الحكيم، وهدّأ من نفس الرجل، ودعاه إلى الجلوس معه على ضَفة النهر حيث أخذ يوضح له بهدوء وحكمة أن صورتنا على صفحة نهر أو فى مرآة ما هى إلا انعكاس لما نحمله فى أعماقنا، ومتى أردنا تغييرها فينبغى لنا أن نغيّر ما بداخلنا، فالمشكلة الحقيقية هى داخل الإنسان الذى يمكنه أن يسعى للارتقاء به وحينئذ ستتبدل الصورة إلى الأحسن.

إن جوهر تلك المشكلة فى حياتنا يكمُن فى أن الإنسان قد لا يُدرك حقيقة المتاعب التى تعترضه، ومن ثَم يستخدم أساليب خاطئة فى حل تلك العوائق؛ والنتيجة ضياع كل ما يبذُله من جُهد هباء.

حاول أن تُدرك حقيقة ما تعانيه، وحينئذ تستطيع أن تعرِف الطريق والطريقة إلى الحلول، ومع الجُهد والتدريب يمكنك الانتصار على معاناتك، وتسير رحلة حياتك فى هدوء وسلام.

• الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسىّ





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة