أصبح الحديث عن علاقات الإخوان والأمريكان من المعلوم سياسيا بالضرورة، فالاتصالات قديمة لكنها تجددت منذ نحو 11 سنة ونشطت اللقاءات بين قيادات الجماعة وواشنطن برعاية مسؤولين أتراك وقطريين، لكن الخطوة الأولى رتبها سعد الدين إبراهيم الناشط والأكاديمى الشهير الذى أعلن بدايتها عام 2003 حينما أرادوا معرفة مواقف الجماعة حيال قضايا معينة، باعتبارهم التنظيم الرئيسى دوليا.
وكشف جاى كارنى، المتحدث باسم البيت الأبيض، حينها زيارة مسؤولى حزب «الحرية والعدالة» للبيت الأبيض واجتماعهم بمجلس الأمن القومى، وكانت الإدارة الأمريكية تضغط لتحقيق ما أسمته «الديمقراطية المحسوبة» التى تكفل مصالح واشنطن، فانتهجت سياسات لدعم «الإسلام السياسى» بالمنطقة، وفقا لرؤية مفادها أن صعود فصيل براجماتى كالإخوان سيسحب البساط من الجهاديين، وواصلت إدارة أوباما دعمهم رغم احتجاجات نواب جمهوريين بالكونجرس، ومطالبتهم بالتحقيق بمنحهم 50 مليون دولار بانتخابات الرئاسة التى حملت المعزول مرسى للقصر.
ويسعى أوباما بإصرار لاقتناص دور مصرى أكبر بالتحالف الدولى ضد تنظيم «داعش»، لكن السيسى استفاض بتذكيره بضرورة اتساع رقعة استهداف الكيانات الإرهابية، سواء بالشرق العراقى والسورى، أو الغرب الليبى وعمقه الأفريقى، واعتبار «الإخوان» منظمة إرهابية، فأجهزة استخبارات العالم تُدرك أنها العباءة التى خرجت منها كل «الثعابين الإرهابية» باختلاف أسمائها، خاصة بسيطرة «التيار القطبى» على تنظيمهم الدولى، لتشكيل مرجعية فكرية لجميع التنظيمات من «القاعدة» حتى «داعش» وامتداداته.
واتسمت علاقات CIA والإخوان بالغموض فمهدت الطريق لنشأة تحالف يعود لخمسينيات القرن الماضى، عندما دعمتهم وفقا لروبرت باير، مسؤول الشرق الأوسط حينذاك، وفى كتابه «النوم مع الشيطان»، يشرح تفصيليا استخدامهم لعمليات قذرة بالمنطقة، مضيفا أن العلاقات السرية، كُشفت بعدما انتهت الحرب الباردة، حيث ظهر «فرانكشتاين الإسلام» من ابن لادن للبغدادى، واعترف بحقيقة ارتباط الجماعات الإرهابية بما فيها «القاعدة» و«داعش» بالإخوان أيديولوجيا وحركيا.
وبمذكراته «لعبة الأمم» يروى مايلز كوبلاند مسؤول CIA جذور العلاقة بالإخوان مستخدما مناوءتهم للمشروع الناصرى ودشنت مشروع «إثارة الفتن الدينية» رغم الخطاب المُعادى للغرب الذى أطلقه سيد قطب عقب دراسته بجامعة «كولورادو» وكشف عن أسباب ترحيله لمصر، وبعودته أصبح مُلهمًا للحركات الجهادية بدعوته لتشكيل «طليعة ثورية إسلامية» للإطاحة بالأنظمة العربية، وحوله إعدامه لصاحب رسالة أيديولوجية لاسيما عقب هزيمة 1967 التى زلزلت «المشروع الناصرى» بشدّة.
الآن ينبغى استلهام تجربة مواجهة الإرهاب خلال تسعينيات القرن الماضى، التى أثبتت أن الحسم يقتضى المّضى بمسارات متوازية: أمنية وسياسية وقضائية تتمثل بعدالة ناجزة، وتجفيف منابع تمويلهم، وشجاعة التصدى لإعادة «هيكلة الأزهر» ليستعيد دوره كمرجعية وحيدة للشأن الإسلامى، وتنفيذ خطة شاملة لتطهير مؤسسات الدولة، فالمرحلة الراهنة مفصلية، وتضعنا أمام «اختبار وجودى» يتعلق بهوية ومستقبل الوطن، ولا يحتمل الإفراط بالمواءمات.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة