حتى قبل أن أعرفه تعرفت على أعماله وريشته التى تعيد صياغة الناس والعالم، أنت أمام فنان يكتب نوتة موسيقية للحن ممتد. لم يستسلم للعمل اليومى فى الصحافة، لكنه عالم من الفن والنغم والبناء الشامل لدنيا يصنع لحما ودما. وترى فى لوحاته الصوت، وتسمع اللون.
كانت البورتريهات التى ينشرها خلف طايع فى الصحف تتجاوز كونها مجرد أعمال صحفية، لكنها لوحات من لحم ودم، يبدو الجهد وراءها درسًا من الفنان خلف طايع. أعمق من يقدم البورتريه، بشكل يجسد شخصية الفنان أو السياسى أو الشاعر أو حتى الرجل العادى.. أنت تسمع وترى الشخص، نجيب محفوظ ومحمود درويش ويوسف إدريس وطه حسين وحتى خلف طايع نفسه.
كان الروائى الكبير خيرى شلبى ابتدع شكلًا جديدًا بين النثر والرواية، البورتريه المكتوب، يعيد كتابة الوجوه ورسمها فى مجلة الإذاعة والتليفزيون، عشرات الشخصيات كتب عنها وكان يحول الوجوه إلى كلمات ولوحات، وشخصيات تتحرك وتروى، عشرات من الأدباء والفنانين والمثقفين والسياسيين من حسن فتحى، إلى جبران خليل جبران، ومن سعد زغلول، إلى سعد الدين وهبة، وسيد مكاوى، ونجيب محفوظ، ومحمود درويش وسهير القلماوى، ومى زيادة وغيرهم، كل هؤلاء كانوا يخرجون فى مجلة الإذاعة ومعهم كان البورتريه للفنان خلف طايع، فترى أنك أمام شاشة سينما تسمع بقلم خيرى شلبى وترى بريشة خلف طائع. جمع العم خيرى شلبى البورتريهات أو بعضها فى كتابه «عناقيد النور» وهو عنوان يعبر تمامًا عن طبيعة شخصية خلف طايع الفنان، والإنسان.
تعرفت مباشرة إلى خلف طايع الذى يجمع بين الأب والصديق والفنان المتواضع الذى يشع فيمن حوله براءة وعمقا وثقافة ومشاعر أسطورية. كنت محظوظا أن اقتربت مرات منه فى جلسات وسهرات، امتدت لتصنع خيطا من الصداقة العميقة، التى تربطنا بخيط من الود. وأرانى محظوظًا أن كنت من بين كثيرين عرفوا عن قرب هذا الفنان العظيم والإنسان الأكثر عظمة. الذى يشع فيمن حوله روحا من التفاؤل والمعرفة. بدفء ونسمات وروح ترفرف على من تعرفهم، وللفنان خلف طايع أياد بيضاء على كثيرين، فهو من مثقفى الأشجار المثمرة، التى تمنح الثمر والظل للعابر والمقترب. وأسعدنى زمانى أن تزاملت معه فى جريدة القاهرة وكنت تضبط الساعة عليه، فى الدقة والإخلاص هو رجل يرسم لدنياه وآخرته. فيعيش معنا بالرغم من الرحيل.
الرحيل الذى أصبح عادة لمن نحبهم، ونعجز عن اللحاق بأياديهم الدافئة. نودع «عناقيد النور العم والصديق.. خلف طايع».