فى ظنى أن أحد أكبر مشكلات شبابنا هذه الأيام أن كثيرًا منهم لا يعرف فضيلة الشغف بالمعرفة من أصولها، وأن الواحد منهم لا يعشق السؤال.. سؤال الكتب والموسوعات.. سؤال التاريخ والجغرافيا.. سؤال الكبار وذوى الخبرات، إذ يكتفى الشاب من هؤلاء بما تيسر له من معارف بسيطة يظن أنها تكفيه عن (سؤال اللئيم)!
لقد علمنا التاريخ والسير الذاتية للعظماء والعباقرة أن الشرط الأول لبلوغ الحكمة يكمن فى محبة السؤال.. فى اللهفة على المعرفة.. فى الإصرار على اكتشاف الحقيقة، وهذا الشعور يفتقده كثير من الناس بكل أسف، فتجد شابا لم يبلغ العشرين من عمره بعد يتحدث إليك وهو ملتحف برداء الغرور المطلق، وكأنه خبر الدنيا وطالع الكتب وأتقن السير الآمن فى دروب السياسة والتاريخ والاقتصاد!
انظر إلى شباب الإخوان – على سبيل المثال – تفاجأ بأن الواحد من هؤلاء يخرج فى مظاهرة يقذف رجال الشرطة أو يهتف «يسقط حكم العسكر» كما لقنوه، وهو لا يعلم شيئا عن تاريخ مصر، أو طبيعة الجيش المصرى منذ أعاد تأسيسه أحمس قبل 3000 عام، والعلاقة العجيبة الوطيدة بين الجيش والشعب، ولا يدرك هذا الشاب شيئا عن علم الثورة، وتارخ الثورات، ويجهل هذا الشاب كل شىء عن صراع الطبقات ومكائد القوى الكبرى، والموقع الجغرافى الفريد لمصر، والأدهى أن هذا الشاب المسكين لا يعلم شيئا عن جماعة الإخوان التى ينتمى إليها، وكيف نشأت ودور الاحتلال الإنجليزى فى تأسيسها ورعايتها.. لا يعرف أى شىء، لأنه لا يسأل، فهو العليم بكل شىء، وبالتالى يتلذذ بالاسترخاء على وسادة الكسل العقلى!
الأمر نفسه ينطبق على بعض (شباب الثورة) الذين خرجوا فى يناير ويونيو، والذين يعتنقون أفكار اليسار، إذ يعانى كثير منهم فقرا فى المعارف والمعلومات بخصوص علوم الثورة وتاريخ المصريين، علاوة على أنهم لا يدركون السمات الخاصة بالشعب المصرى، ومدى قدرته على الفعل الثورى المنتظم، ومتى تشعر الملايين بالإنهاك الثورى إلى آخره!
إن الحاجة إلى إشاعة قيمة عشق السؤال أصبحت ملحة فى زمن (الجاهل.. الموسوعى) الذى يزعم بغرور كريه معرفته بكل شىء!