هل أصبحت الحوادث الإرهابية التى يروح ضحيتها جنود وضباط الشرطة شيئاً عاديا يتكرر يومياً بشكل مستفز ومثير للاشمئزاز، وهل تحولت مشاهد الحزن والألم الذى يرتسم فوق وجوه أسر ضحايا تلك الحوادث الإرهابية إلى مشهد جماعى «حزين» تعتصر له قلوب المصريين وهو يتكرر بأشكال عديدة وبأساليب وإن كانت متغيرة إلا أنها فى نهاية الأمر تترجم هذا الكم الهائل من الألم والحزن والحسرة على شباب معظمهم ما يزال فى عمر الزهور أو رجال ربما يكون الواحد منهم مسؤولاً عن زوجة تتحول فى لحظة إلى أرملة أو أبا لأبناء ما يزال الطريق أمامهم طويلاً فيما يتعلق بتربيتهم وتعليمهم ورعايتهم.
فأنا وعلى المستوى الشخصى لم تهتز مشاعرى من قبل ولم أعش تلك الحالة من الغليان مثلما حدث معى وأنا أرى خيرة شباب الوطن يروحون ضحية هذا الإرهاب الأسود الذى فاحت رائحته وأصبحت تثير الاشمئزاز، فهذا الإرهاب لا دين له ولا وطن له فهو شىء غريب علينا ولا يتفق مع طبيعة وأخلاق المصريين التى لا تعرف سوى الحب والتسامح والمعاملة الطيبة.. إنه إرهاب دنىء أقل ما يوصف به أنه أحط وأسوأ أنواع الجرائم على الإطلاق.
فما ذنب هؤلاء الضحايا حتى يخرج الواحد منهم صباحاً إلى موقع عمله المنوط به مهمة حماية الوطن ليعود فى نهاية اليوم مجرد جثة هامدة من جراء عمل إجرامى فلم يتبق منه سوى بعض الذكريات الجميلة مع زملاء أو رؤساء فى العمل بعد أن يذهب إلى مثواه الأخير تاركاً خلفه حسرة ووجعا يسكن بين ضلوع أفراد أسرته وأصدقائه ومحبيه.
وهل ارتكب هؤلاء الجنود والضباط جرماً ليتساقطوا واحدا تلو الآخر لأنهم يقومون بواجبهم تجاه الوطن ويقضون معظم أوقاتهم خارج بيوتهم من أجل حماية المواطنين والمنشآت والمرافق العامة، وهل ارتكب هؤلاء ذنباً لأنهم لبوا على الفور نداء الوطن فى القيام بمواجهة إرهاب جماعة بل عصابة من المجرمين لا تعرف سوى أساليب الغدر الخسة والندالة والاغتيال والتفجير وترويع الآمنين مرتكبين جرائم تعتمد على كل أشكال العنف الذى لم نكن نعرفه من قبل، حيث إننا لم نسمع عنه إلا من خلال هؤلاء المجرمين الذين تلطخت أيديهم بالدماء الذكية لضحاياهم من الأبرياء سواء كانوا من المواطنين أو من جنود وضباط الشرطة.
واللافت للنظر فى تلك الحوادث الإرهابية أنها وللأسف الشديد تأتى فى توقيت دقيق يشهد جهوداً مضنية تقوم بها وزارة الداخلية من أجل إعادة الاعتبار إلى رجال الشرطة فى الشارع المصرى، فقد لمست بنفسى تلك الطفرة الهائلة التى يشهدها الشارع الآن فيما يتعلق بإعادة الاعتبار إلى المنظومة الأمنية، فالقضاء على البلطجة وتجفيف منابعها ظهر بوضوح فى الكثير من المناطق فى شتى أنحاء الجمهورية وعلى وجه الخصوص فى القرى والنجوع والمناطق النائية، وعلى الرغم من أن ما تحقق حتى الآن فى وقت وجيز يبشر بالخير ويدعو إلى الطمأنينة إلا أننا وحتى نكون منصفين وواقعيين فإن الطريق ما يزال طويلاً من أجل الوصول إلى تواجد للشرطة فى الشارع بشكل قوى يعيد للدولة هيبتها ويحفظ للقانون قوته، فنحن لن ننسى أنه فى أعقاب ثورة يناير انكسرت الشرطة ولم يعد لها وجود فى الشارع بشكل يدعو للأسى والأسف وبشكل يشير إلى أنه لن تقوم لها قائمة مرة أخرى إلا بعد عدة سنوات من السعى المتواصل.
لذا فقد كان من المنطقى السعى نحو إعادة الثقة المفقودة بين قطاع ليس قليلاً من الشعب المصرى وهيئة الشرطة والسعى إلى إجراء مصالحة وطنية بين الشرطة والشعب على اعتبار أن الشرطة هم أبناء الشعب فى الداخل وهو ما يستلزم من الشرطة تطبيق القانون واحترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان.. وعلى الجانب الآخر فإنه على الشعب أيضاً مساندة الشرطة ودعمها لاستعادة دورها فى ضبط الأمن والأمان فى الشارع المصرى من خلال مساعدة الأحزاب السياسية والقوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدنى بما فى ذلك دور الإعلام المملوك للدولة والقطاع الخاص وتوعية المواطن بأهمية الدور الذى تقوم به الشرطة وأنه فى حالة غيابها تنقلب الأمور ونعود إلى ما يعرف بـ«شريعة الغابة» التى تعتمد أساساً على منطق البقاء للأقوى فنجد القوى يأكل الضعيف.
وهناك مسألة فى غاية الأهمية ينبغى علينا أن نتنبه إليها وهى أن ما تقوم به وزارة الداخلية فى الكشف عن العمليات الإرهابية والحد من قوتها هى أمر فى غاية الأهمية ولكننى أرى ضرورة أن تكثف الداخلية جهودها أكثر مما هى عليه الآن وذلك بأن تقوم بتوجه «ضربات استباقية» لمنع تلك الجرائم قبل وقوعها، وأن تبادر أيضاً بقطع يد الإرهاب قبل أن تمتد لتهدد المنشآت والأرواح التى هى فى الغالب تكون أرواحا طاهرة لجنود وضباط الشرطة والجيش الشرفاء الذى يكرسون كل حياتهم من أجل الدفاع عن الوطن وحماية المواطنين حتى لو كلفهم ذلك حياتهم.
كما أنه فى مثل هذه الحالات يجب على وزارة الداخلية أن تتخذ كل أشكال الحيطة والحذر حتى لا تتفاقم المشكلة ويزداد نزيف الدم بين أبنائها الذين تترصدهم يد الإرهاب الأسود، فالمعروف أن الخطط الاحترازية تقلل بشكل كبير من نسبة حدوث الجريمة وتضعف أيضاً من قوة تلك العمليات الإجرامية القذرة.
وليس غريبا على اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية القيام بتصرفاته الإنسانية بقلب أب نراه دوما وهو يحنو على أسر وذوى أبنائه من الجنود والضباط الذين يقدمون أرواحهم فداء للوطن، فالرجل والحق يقال أراه دائما وقد تحول فى تلك اللحظات الإنسانية الحرجة من كونه وزيراً للداخلية إلى مجرد مواطن مصرى بسيط يحمل بين ضلوعه قلبا أبيض يخفق بالحب تجاه تلك الأسر التى أنجبت هذا الشهيد أو ذاك، ليس هذا وحسب بل إنه لم يتوان ولو للحظة فى التوجيه بضرورة الإسراع بعلاج المصابين من أبناء الشرطة عقب أى حادث إرهابى وتقديم كل أشكال الرعاية الصحية لهم على الفور.. وهو واجب وطنى حريص عليه كل الحريص ويأتى فى إطار التزام الدولة تجاه أبنائها المخلصين.
إننى على يقين من أن الشرطة المصرية تمتلك مؤسسة ضخمة وتمتلك عدة وعدادًا يؤهلها بما لديها من بيانات ومعلومات عن الخارجين على القانون فى مصر والمتهمين فى قضايا البلطجة ما يؤهلهم إلى القبض على كل من تسول له نفسه عدم احترام القانون أو التجرؤ على المواطنين، فقد وضع اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية نصب عينيه هدفاً استراتيجيا محددا وهو عودة رجل الشرطة إلى الشارع بشكل قوى وفعال ومؤثر، وهو ما نلمسه بوضوح فى تلك الجولات الميدانية المفاجئة التى يقوم بها بشكل مستمر لزيارة العديد من المواقع الشرطية ليس فى العاصمة وحسب بل فى المحافظات أيضا، ولم يتوقف الأمر عند حد الزيارة فقط بل نجده يقوم على إثرها بإصدار قرارات فورية لمعاقبة المقصرين وفى نفس الوقت قرارت أخرى لإثابة المتميزين، وهو فى رأيى أسلوب ناجح فى الإدارة كنا نفتقده فى جهاز مهم مثل جهاز الشرطة الذى يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأمن وأمان المجتمع ككل، فإن صلاح جهاز الشرطة صلاح المجتمع بالكامل وإن تعثرت المنظومة الأمنية لا قدر الله وانتشرت الفوضى وتحول المجتمع إلى ما يشبه المستنقع الذى تفوح منه رائحة الفساد والمفسدين.
إننى أطالب وزير الداخلية بعدم التراخى أو التباطؤ فى تعقب هؤلاء المجرمين الذين يتسببون يوميا فى ترويع الآمنين بزرع القنابل سواء كانت بدائية الصنع أو عبوات ناسفة أو حتى زجاجات مولوتوف لحصد الأرواح، فنحن فى أمس الحاجة الآن إلى الحزم والشدة والتعامل بكل قوة مع كل من تسول له نفسه القيام بتنفيذ عملية إرهابية سواء قام بها بنفسه أو من خلال قلة من «البلطجية» والمأجورين وعديمى الضمير، فتلك الحوادث الإرهابية «القذرة» يروح على إثرها ضحايا وأبرياء يقومون بواجبهم على أكمل وجه، فشهداء الشرطة يلقون حتفهم وهم مؤمنون إيماناً مطلقاً بقدسية وأمانة المهمة الملقاة على عاتقهم، لذا فإنه ينطبق عليهم قول الله تعالى فى محكم آياته «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزى الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما».
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
اى دماء تسيل غدرا هى دماء مصريه لا يجب السكوت عنها او التخاذل فى القصاص من اجلها
بدون