الفارق 54 عاما بين خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى وخطاب الزعيم الراحل جمال عبدالناصر فى الأمم المتحدة.
لكن الزمن يتكرر مرة أخرى فى ظروف سياسية، قد تبدو متشابهه بل ومتطابقة، وإن اختلف الأشخاص والدوافع. فى الذكرى 44 لرحيل ناصر نتذكر ملابسات خطابه فى الأمم المتحدة فى أكتوبر 1960.
العلاقات بين القاهرة وواشنطن كانت فى أدنى مستوى سياسى لها والتوتر بين الجانبين فى أعلى درجاته، فمصر أعلنت سياسة الاستقلال الوطنى داخليا وخارجيا وباتت زعيمة دول عدم الانحياز فى ظل الحرب الباردة ومعركة «كسر العظام» مع الولايات المتحدة فى أوجها
فالقاهرة خرجت منتصرة فى معركة السد العالى وتأميم قناة السويس وأطلقت الحلم القومى لبناء السد رغم الضغوط الأمريكية ومحاولات الخنق والحصار، وقوى الاستعمار القديم لم تنس هزيمتها فى السويس، ومعركة البناء والتنمية قد انطلقت بأهم وأكبر خطة خمسية للتنمية الاقتصادية فى تاريخ مصر.
فى هذه الظروف ذهبت مصر إلى قلب الأمم المتحدة لينطلق صوتها قويا مدويا متحدثا باسم العرب وكتلة عدم الانحياز، ونال عبدالناصر تصفيقا حادا من دول العالم التواقة لرؤية وسماع الزعيم الجديد فى المنطقة العربية الذى تحدث باللغة الأم لأول مرة من فوق المنبر الدولى وأعلن أنه «حان الآن الوقت الذى يجب أن تنتقل فيه أمانى الشعوب وحقوقها من عالم النظريات إلى عالم الواقع، الشعوب المناضلة كلها الآن مستعدة للحرية
مستعدة لتحمل مسؤولياتها، مستعدة للتعاون على أوسع مدى فى سبيل دعم هذه الحرية وتمكينها».
اللحظة الناصرية استعادتها الشعوب العربية مع حضور الرئيس عبدالفتاح السيسى، وخطابه للعالم بلغة قوية وصادقة وواثقة فى ذاتها وفى شعبها، دون رضوخ لإرادة سياسية خارجية ودون تبعية لأحد، فالنبرة الوطنية كانت حاضرة والرؤية للمنطقة والعالم أيضا لم تكن غائبة.
ذهب الزعيم الجديد وذات الظروف السياسية تلاحقه، فالعلاقات ملتبسة ومعقدة وفى أدنى مستوياتها السياسية والاقتصادية، ولكن لحظة الحشد حاضرة ومعركة البناء والمشروعات القومية قد بدأت تتلمس طريقها وإدراك حقائق الواقع يتفهمه العالم، فجاء الترحاب والحفاوة والتصفيق والهتاف فى قلب الأمم المتحدة، وكأن الزمن لم يتحرك وكأن العالم لم يتغير
ولكن مصر فى الحالتين واحدة، دولة مستقلة بإرادة شعبية تبنى مستقبلها وتستعيد زهوها ومجدها ودورها الطبيعى فى المنطقة.
ما أشبه اللحظة التاريخية بين اكتوبر 1960 وسبتمبر 2014، فالإرادة الوطنية حاضرة والرئيس على خطى الزعيم.