كما أشرنا فى الأسبوع الماضى إلى أن الظلم لا يبنى وطنًا، فإن الإشارة إلى الظلم وتحديده تساعد على بناء وطن، وتغضب الطبالين الذين لا يرغبون سوى فى إسداء المدح والثناء، وخلع صفات الألوهية على الحاكم، ليس حبًا فى الحاكم البتة، ولا حرصًا على الوطن بطبيعة الحال، على العكس تمامًا، إنما هو حرص على مصالحهم الشخصية، ولو على حساب الوطن.
الإنسان بطبعه يحب سماع الإطراء والمديح، يحب أن يرى صورته فى أعين الناس جميلة، وقد يسعده أن يسمع البعض وهو يضفى عليه صفات قد تكون فيه أو لا تكون، قد تحمل بعض المبالغة أو تكون حقيقية، لا يهم، المهم إنه كما قال أجدادنا: «الدوى على الودان أمر من السحر»، وإذا أحاط الإنسان نفسه بالمتملقين، فقد يحلو له بعد برهة أن يصدقهم، وإذا صدقهم جنى على نفسه.
ليس من مصلحة السلطة أو الوطن أن يتم إرهاب المعارضة، ويغذى المتملقين ببساطة، لأن هؤلاء المتملقين لا يسعون إلا خلف مصالحهم وفقط، ولا ينشدون من وراء الإطراء والمديح والتطبيل سوى أن ينالوا حظوة لدى السلطة، ومن ثم يحصلون على ما يرغبون فيه: استعادة مجد زائل، بناء مجد لم يكونوا ليحصلوا عليه بمواهبهم الفقيرة، مركز مهم، شهرة، مجالسة صفوة القوم، تكديس الأموال، الحصول على المناصب.. إلخ.
تميل الطبيعة الإنسانية إلى كراهية المنتقدين، خاصة لو أنهم يتميزون بـ«لسان طويل»، لكن عودة إلى أجدادنا القائلين: «يا بخت من بكانى وبكى عليا ولا ضحكنى وضحك الناس عليا».
وهذا بالضبط ما يفعله الطبالون الآن.. يضحكون الناس على السلطة والرئيس حين تقول إحدى المتملقات مخاطبة الرئيس: «ما تسافرش أمريكا ولو سافرت خد أكلك وشربك معاك، وما تاكلش حاجة من إيد حد نهااااائى»، فهى تضحك الناس على الرئيس حين يصر بعض الطبالين على أن مصر ليس فيها مسجون رأى واحد، ولا يوجد فى السجن مظلوم واحد، فهى تضحك الناس على مؤسسات الدولة حين يتهم إعلاميو التطبيل كل من يعترض أو يعارض بأنه خائن للوطن، فإنه يضحك الكون كله على بلد كمصر.
الحقيقة أن النظام- أى نظام حاكم- يحتاج بشدة إلى المعارضة، يحتاج إلى من يشير إلى أخطائه ويطلب منه التصويب، يحتاج إلى من يلفته إلى قصوره ويقترح عليه الحلول، ويحتاج أكثر إلى أن يسمع، ويظهر أمام الناس، وأمام العالم بأنه يسمع ويستمع ويستجيب، لأن ذلك سيضعه فى صورة الديمقراطى الذى يقبل النقد، والأهم سيضعه أمام الله فى صورة المتواضع الذى ينصت إلى من يهدى إليه عيوبه.
المداحون هم أسوأ بطانة يمكن أن يتخذها الحاكم، وهم من ذلك يدفعون بالنظام إلى الهاوية، وهم من أسقطوا نظامين فى السابق، وهم على وشك إسقاط الثالث إذا لم يتنبه القائمون على الأمر.
فى أول خمس سنوات من حكمه، أصدر المخلوع مبارك أمرًا بعدم إطلاق لقب السيدة الأولى على زوجته، ومنع أى أغنيات تطريه أو تمدحه، وكانت السنوات الخمس الأولى التى أبلى فيها بلاء حسنًا، ثم مع طول مدة الحكم نسى كلمته الشهيرة «الكفن مالوش جيوب»، وبدأ يهز رأسه فى سعادة وهو يسمع: «روحه سمحة، أدب ومصالحه، صافى القلب يا كفر مصيلحة»، وكانت نهايته فى ذاك.
أما أذناب نظامه، فهم يقومون بمحاولات لاستعادة مجدهم الغابر عبر تكرار التطبيل والتهليل الذى مارسوه فى عهد مبارك.. هم من تسببوا فى إسقاطه، وطبلتهم نذير شؤم على كل من يطبلون له، كما كانت طبلة مؤيدى مرسى نذير شؤم عليه.. وللحديث بقية.