فى صباح 31 أغسطس قبل ثمانى سنوات ذهبنا إلى سيدنا الحسين لتوديع الأستاذ، كان الأمن يقف بعيدا، ملامح المصلين من أهل منطقته كانت طيبة وخاشعة وودودة، الكتاب والمثقفون فى الجنازة كانوا قليلين، بعضهم كان حريصا على قطع الطريق أمام وكالات الأنباء الأجنبية التى كانت موجودة ليتحدث عن تاريخه وصداقته بالراحل الكبير، جثمانه كان خفيفا جدا وكانت رائحة المسجد فى ذلك اليوم مختلفة، استدعت كل العطور العتيقة التى خمرها الدراويش، وظلت معى وقتا طويلا، قيل لنا إن الرئاسة ستشيعه فى جنازة رسمية من مدينة نصر يتقدمها مبارك، لم يكن بيننا مدعو واحد، الذين كان يدعوهم نظام مبارك، كانوا معروفين بالاسم، تجولنا فى ملاعب طفولته وانحنينا ونحن نعبر درب قرمز المجاور لبيته، لم يكن أمامنا إلا الذهاب هناك.
وقفنا، سعيد الكفراوى ومحمد هاشم وأنا، أمام الضباط نرجوهم السماح لنا بالمشاركة، قالوا غير مسموح للصحفيين، قلت نحن من أهله وأعطيته بطاقتى وقلت تأكد بنفسك من أهل بيته، اتصل الضابط البشوش باللاسلكى بشخص ما، وسمح لنا، كان كل الوزراء تقريبا فى القاعة الضيقة، يومها خطفنى صوت الدكتور أحمد نعينع وهو يقرأ القرآن، لأول مرة أكتشف أنه قارئ كبير جدا، كانت هناك عطور مختلفة، حديثة ومنفرة، وكان الزى الرسمى لكل المشيعين مربكا، كانت درجة الحرارة مرتفعة، ولا توجد تغطية لشبكات المحمول، مبارك كان مريضا، كانت المرة الأولى التى أراه فيها، واكتشفت أنه أقصر مما كنت أظن، وسمح لنا بالانصراف بعد وقت طويل، طوال هذا اليوم لم تفارقنى ابتسامة الأستاذ نجيب محفوظ.