عندما تقرر منظمة كبيرة مثل «هيومان رايتس ووتش» معنية أساسا بحقوق الإنسان فى العالم، أن تتخلى عن سمعتها المدوية وتصدر تقريرا منحازا مثل تقريرها حول فض اعتصامى رابعة والنهضة، تكون أمام مفترق طرق كبير بشأن عمل المنظمات الحقوقية وأهدافها وغاياتها النهائية.
لماذا تقرر المنظمة الأمريكية الشهيرة اتخاذ هذا الموقف فى تقريرها؟ لماذا تقرر مثلا حذف كل الشهادات التى تشير إلى سقوط ضحايا بين رجال الشرطة؟ ولماذا تحذف شهادة مهمة بعد نشرها أو بعد سردها فى التقرير تفيد بأن أول ضحية كان من بين ضباط الشرطة المكلفين بالتحدث فى مكبرات الصوت لحث المعتصمين على مغادرة المكان بكامل الحرية؟
الموضوع طبعا لن ينتهى عند إصدار المنظمة الأمريكية تقريرها، فمن جانبها تستعد «هيومان رايتس» لإرسال تقريرها إلى مجلس الأمن فى نوع من «التصعيد السياسى»، فى الوقت الذى تحشد فيه الدولة ممثلة بوزارة الخارجية أدلتها ووثائقها التى تفند تقرير المنظمة، فضلا على جهود المجلس القومى لحقوق الإنسان فى تقاريره المحايدة بشأن الواقعة، لكن كل ذلك لا يجيب عن السؤال الأول: لماذا تنحاز هيومان رايتس ووتش للمعالجة التى يتبناها تحديدا البيت الأبيض، وتتخلى عن لجانها الفنية وعن الشهادات المتكاملة التى جمعتها، بمعنى آخر، لماذا تتخلى عن مهمتها كمنظمة حقوقية وتتحول إلى جهاز من الأجهزة المساعدة للاستخبارات الأمريكية؟
أسمع من يقول: ومتى كانت المنظمة الأمريكية المعنية بحقوق الإنسان معنية أصلا بحقوق الإنسان هكذا فى المطلق، وأنها طوال الوقت ومنذ نشأتها توظف ملف حقوق الإنسان ليخدم توجهات الإدارة الأمريكية فى سعيها لفرض هيمنتها على العالم.
نعم، هذا صحيح، لكن المنظمة وفى إطار عملها فى مواقع مختلفة فى العالم تصدر تقارير معلوماتية مهمة تكشف بقصد أو بدون قصد موقف حقوق الإنسان فى العالم؟ حتى باستخلاصات خلاف ما تريد تأكيده المنظمة، أى أن العاملين بهذا المجال يستطيعون استخلاص الحقائق من خلال تقارير المنظمة، بعيدا عن توجهاتها، وهو الأمر الذى أصبح مشكوكا فيه بعد انفجار فضيحة الاستبعاد والحذف المتعمدين من الشهادات حول فض اعتصامى رابعة والنهضة.
هل تظل المنظمة الأمريكية مرجعا حقوقيا للعاملين بمجال حقوق الإنسان فى المستقبل؟ سؤال يطرح نفسه الآن بقوة.