لا أعرف كيف ينام محافظ القاهرة ووزير الكهرباء ورئيس الوزراء وهم يدركون أن معظم أعمدة النور فوق كوبرى أكتوبر مطفأة فى الليل، بينما تظل الأعمدة الصالحة مضاءة حتى بعد طلوع الشمس بأكثر من نصف الساعة، فى حين أن نصف سكان مصر المحروسة يتعذبون بشكل يومى بسبب انقطاع التيار الكهربائى!
إذا كانوا يعلمون ولا يتحركون فتلك مصيبة، وإذا كانوا لا يعلمون.. فأكمل أنت العبارة الشائعة والمناسبة لهذا الوضع المحزن!
الكل يعرف أن نظام الإضاءة فى شوارع مصر كلها بالغ البؤس، فإذا كان كوبرى أكتوبر الذى يخترق العاصمة التليدة بهذه الحال المؤسفة، فلك أن تتخيل المدى التعيس الذى بلغته أوضاع الشوارع فى المدن الأخرى والأقاليم البعيدة.
أرجو ألا تظن أن مسألة الكوبرى المضاء نهارًا حدثت مرة أو بعض مرة، فهذا غير صحيح، فأنا أتحرك من بيتى يوميًا بعد أول نقطة ضوء تهديها الشمس إلى الأرض هربًا من الزحام المرعب، وأصعد فوق كوبرى أكتوبر من أول مطلع له فى مدينة نصر وأظل فوق الكوبرى حتى أهبط عند منزل شارع البطل أحمد عبدالعزيز، وطوال الطريق أرى الأعمدة المضاءة من أمس كما هى برغم أن الشمس قد بأت فى بث أشعتها على الناس والمبانى والأشجار منذ نصف الساعة!
المحزن أنك حين تعود ليلا من الطريق نفسها، تجد أن نصف أعمدة الكوبرى مطفأة، لأن لا صيانة هناك ولا يحزنون، وهكذا سنظل نحن المصريين نعانى إهمال المسؤولين الصغار والكبار، ونتعذب باضمحلال فضيلة إتقان العمل، ونشعر أن الحياة عقوبة لأن من بيدهم الأمر فقدوا الإحساس بالناس وباعوا ضمائرهم للكسل والخمول!
لا أعرف إلى متى سنظل أسرى الإخفاق والعذاب، لكنى موقن تمامًا أن الأجيال المقبلة ستكون أكثر منا قدرة على ضبط الأمور المختلة، وستحظى هذه الأجيال بحكام ومسؤولين يدركون معنى وقيمة مصر، ويعرفون عبقرية هذا الشعب النادر المثال، فيوفرون له حياة حرة وكريمة، ويمنحونه السعادة الغائبة فى هذه الدنيا، لأننا شعب نستحق الحياة بكرامة، فكفانا قرونا عدة فى خنادق الظلم والقهر والفقر والتعاسة!