فى عيد ميلاد جورج برنارد شو التسعين سأله أحدهم: ألا ترى أن الوقت حان كى تعتزل الحياة؟ ابتسم وقال: «أرجو ألا يكون غرور الشباب هو الذى دفعكم إلى طلب تنحيتى.. على أى حال أريد أن أؤكد لكم أننى لم أشعر فى يوم من الأيام بحيوية ونشاط كالتى أشعر بها اليوم إننى على استعداد لأن أنازلكم بأى سلاح تختارونه ولكنى أفضل أن يكون القلم ذلك السلاح الرقيق - هو وسيلة المبارزة التى تختارونها لمنازلتى»، ولو كان لحق مثل الأستاذ محمد حسنين هيكل عصر الفضائيات لكان فى وضع أفضل، شو بعد الاحتفال جلس ليكتب فى «شاب فى التسعين» «أليس غريباً أن يشعر من كان فى مثل سنى بدماء الشباب تجرى فى عروقه ولكن لم الغرابة؟ إن الشيخوخة لا تصيب سوى المقعدين، أما أنا فلم أقعد يوماً فقد قضيت عمرى كله أعمل وأفكر وأكتب ولعلها بحثت عنى ولكنها لم تجدنى لأننى لم أكن أبداً هناك فى انتظار مجيئها».
هيكل بذل عمره فى الكتابة والتفكير والعمل، إطلالته مطمئنة، تشعر تجاهه بعاطفة عريقة، ملامحه المنحوتة صارت علامة بصرية تجذبك متى هلت، اتفق أو اختلف معه هذا حقك، ولكن عليك أن تعترف بأنه يحرس شيئا نبيلا فى تاريخ هذا الوطن، وأن وجوده وسطنا وهو فى الواحدة والتسعين من عمره، وبهذه الحيوية شىء مفرح، والاحتفال به ينبغى أن يتجاوز الحسابات الآنية، والذين يتربصون به هذه الأيام تنقصهم الرقة، خصوصا الذين قدسوه فى الماضى ويبحثون الآن عن مجد على حسابه، الأستاذ هيكل كل سنة وإنت طيب.