فى الأيام الماضية وقعت إحدى القنوات فى أفخاخ القرآنيين والكذابين والشيعة المفترين، وسهرت ليالى طوال ترسل عبر أثيرها أكاذيب هؤلاء على أسماع المشاهدين.. وهى أكاذيب لا علاقة لها بأمور دنيوية عابرة بل بقضايا إسلامية خطيرة. إذ يتهم الكاذبون آئمة الإسلام الذين ما عرف عنهم غير خدمة الإسلام بإخلاص ويقين يتهمونهم: بأنهم تلاعبوا بسنة النبى وسجلوا على الرسول - عليه الصلاة والسلام- مالم يقله ومالم يفعله ومن هؤلاء الذين تجنوا على الرسول عند هؤلاء المرتزقة: الإمام البخارى - رضى الله عنه - هذا الإمام الذى جاهد فى جمع السنة الصحيحة حق الجهاد، وشهد له علماء الأمة عبر الأزمنة والقرون بالصدق، والورع، والزهد وحسن الخلق. يقول عنه أحد الأقزام على الفضاء "إنه مسخرة"!!، هكذا بلا خجل!، ولم يعترض المذيع على ألفاظه المتدنية، ولم يدافع عن الضيف الغائب عن مجلسهم وهو: الإمام البخارى، على كل حال لفت نظرى هذا الأسبوع بعد أن وضح علماء الأزهر الأفاضل أن ما يبث من اتهامات للبخارى وعلماء الأمة أمر غريب، وبعيد عن الحق والواقع، ولا يمكن لأحد يدعى أنه يدافع عن السنة: أن يقوم بطعن السنة، وبطعن العلماء الذين جمعوا السنة فهذا من الغرائب والعجائب!، أقول: لفت نظرى أن هذه الفضائية لم تتخذ درسا مما أذاعته الأسبوع الماضى بل ما زالت واقعة فى الفخ الذى نصب لها.. فنراها تقوم بإعادة حلقاتها الماضية: مرة أخرى، وكأنها لم تتعظ من السخط العام الذى أوجدته فى الأسبوع الماضى من هذه الأكاذيب التى بلبلت الأفكار، وشوهت صورة علماء الأمة، ونشرت الكذب بعينه من الرويبضات التى استضافتها. وكان الأولى بالقائمين على الأمر أن يعتذروا عما بدر منهم ومن ضيوفهم وأن يكونوا على قناعة من أن ضيوفهم استخدموا قناتهم استخداما سيئا،وغير مفيد، وسندلل على صحة ذلك من خلال الردود التالية لعل الغافل يتنبه، والعاقل يتعقل، وما علينا إلا البيان، والله من وراء القصد.
الرد الأول: فيما يتعلق بنشر الكذب فى قصة الغرانيق:
فقد ادعى ضيف القناة الإعلامية أكثر من عشر مرات فى جلسة واحدة أن قصة الغرانيق قد ذكرها الإمام البخارى فى صحيحه، وكان الضيف العلامة يصرخ بذلك ويتهكم بناقديه ويقول للشيوخ: "أليست قصة الغرانيق موجودة فى كتاب البخارى؟ ألم يزعم البخارى أن الرسول مدح الغرانيق وأن الشيطان ألقى على لسانه قوله "وتلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى" فكيف يصدر ذلك عن الرسول وكيف يؤثر عليه الشيطان، وكيف يسجل البخارى هذا المدح للغرانيق على لسان الرسول ويؤكد قوة الشيطان الفائقة على خير الخلق – صلى الله عليه وسلم - ؟ ثم يختم بقوله: "إن البخارى يكذب على الرسول – صلى الله عليه وسلم -"..
وللقارئ، والسامع ، وللقائمين على القناة والإعلام بوجه عام، ولكل من سمع هذا الهراء أوضح وأقول: إن الغرانيق عند العرب: جمع غرنوق، والغرنوق هو: الطير الأبيض، والعرب كانت تشبه أصنامها بالغرانيق أى: الطيور البيض، وتعتقد أن هذه الأصنام ترتفع إلى السماء كالطير الأبيض لتشفع لهم عند الله عز وجل.
ولقد كذب المتحدث، وادعى على البخارى مالم يقله، أو ينقله، أو يسجله، والإمام ما ذكر مطلقا: كلمة الغرانيق، ولا سجل فى كتابه البتة مدحا لها، والذى يدعى ذلك على البخارى عليه بالدليل غير الخفى، وليقل لنا: أين ذكر البخارى" كلمة الغرانيق العلى"؟ وفى أى صفحة من كتابه مدحها؟ وهذا كتاب البخارى بين أيدينا، وصفحاته مفتحة أمام أعيننا، لم نر، ولم نشاهد ما ذكر الكذوب، فكيف بضيف يكذب على من استضافه فى الإعلام، ليهرطق على الهواء بهذا الفجور البواح؟.
ونأتى بعد ذلك لتوضيح الأمر، والذى غاب عن الضيف الفهامة، فقصة مدح الغرانيق قصة ذكرها المشركون قديما ورددها الملاحدة المستشرقون حديثا، وعنهم نقل الشيعة هذا الافتراء، ونسبوه للإمام البخارى بغباء وهى مبثوثة فى مواقعهم بهذه النسبة، ويبدو أن ضيف القناة – الرويبضة- نقلها من كتبهم، ومواقعهم بلا تفكير، أو روية، وبرهانى على ما أقول هو: موقع الشيعى المعمم: "على الكورانى" إذ كتب فى موقعه الرسمى بالنص: العنوان التالى: "البخارى يذكر قصة الغرانيق ويكذب على النبى" ثم يذكر الكورانى أن البخارى ساق القصة فى ستة مواضع، ويذكر المواضع الستة، وليس فيها موضعا واحدا جاءت فيه قصة الغرانيق.. ولما لم يفلح فى تحقيق صدق الاتهام يعقب قائلا: ويبدو أن البخارى حذف قصة الغرانيق عمدا! انتهى. - يراجع موقعه لمن يريد.
وهكذا يتأكد للجميع أن الرويبضة ينقل كلام هذا الشيعى دون تحقق، ثم نرى رفيقه المحامى القرآنى الذى استضيف فى اليوم التالى مباشرة يسانده ويقرر الاتهام ويؤكد ثبوت القصة فى البخارى.. وليس بخفى للباحث المتابع أن المستشرقين والمنصرين وذوى العاهات العلمية فى عصرنا هذا يرددون مع الشيعة قبل "الضيف" هذه الأكاذيب فى الجامعات الغربية والموسعات والدوائر العلمية ومن هؤلاء المستشرق: "مونتجمرى واط" الذى يقول بكل سذاجة: إن النبى تأثر فى رسالته بتقاليد بيئته العربية ثم دلل على هذا التأثر بقصة مدح النبى الغرانيق. "انظر دراسات استشراقية ص 144 – محجوب أحمد كردى".
وأيضا المستشرق: "ماكدولند".. ذكر فى دائرة المعارف الإسلامية مقالا بعنوان: "الإله الأعلى عند المسلمين" وادعى فيه أن النبى اعترف بآلهة المشركين فى هذه القصة" وكذلك كبيرهم المستشرق والمنصر: "بروكلمان" فى تاريخ الشعوب الإسلامية ج1 ص43 – 44 -- يكتب: "إن الرسول فى سنواته الأخيرة من بعثته اعترف بآلهة الكعبة الثلاثة اللواتى كان مواطنه يعتبرونها بنات الله وقد أشار إليها فى إحدى الآيات الموحاة إليه بقوله: تلك الغرانيق العلى". ويبدو أن هؤلاء صدقوا ماكتبه لهم اليهود قديما فى هذا الشأن وعلى رأسهم ابن كمونة اليهودى المتوفى 1277م - حيث ذكر هذا الاتهام لرسول الله – صلى الله عليه وسلم فى كتابه "تنقيح الأبحاث.." مدعيا ثبوت قصة الغرانيق على لسان النبى وتأثير الشيطان على عقله وكلماته – صلى الله عليه وسلم – وقال إن الرسول قبل نزول هذا المدح كان يتمنى أن ينزل عليه ما يقرب قومه منه.
وهكذا يتخندق اليهود والمشركون قديما مع الشيعة ومن على نهجهم فى عصرنا ضد رسول الله- عليه الصلاة والسلام- وينسبون له قصة ما نطق بها، ولا ذكرت فى كتاب ربه الذى نزل عليه، وللأسف يريدون أن يستغفلوننا، ويقولون إنها أوحيت إليه، وبها المدح لآلهة المشركين.. وهذا من أبشع أنواع الكذب. فآيات القرآن بين أيدينا لم نجد فيها هذا المدح، ولا هذه القصة، وكذلك البخارى المتجنى عليه من الكذوب كما قلت : كتابه بين أيدينا يخلو من أية إشارة إلى هذه القصة.. فكيف بهؤلاء جميعا، ومعهم رويبضة العصر يثبتون للناس ما هو غير مثبت؟ وكيف بإعلامنا ينشر عنهم ماليس بواقع؟ ثم هل علم إعلامنا ورويبضات عصرنا أن علماءنا السابقين تعقبوا وجلدوا بحججهم كل من ادعى على الرسول هذه القصة، وقد ذكروها فى كتبهم: لإبطالها، وبين فسادها بعدما جاهد المشركون وأولياؤهم فى نشرها كذبا وزورا، وشنعوا على من نطق بها، ليستبين للجميع سبيل المجرمين والكاذبين، فهذا المفسر الكبير ابن كثير يقول بعد أن عرض القصة المختلقة هذه يقول: (إن ما ذكر من قصة الغرانيق.. قد جاءت من طرق كلها مرسلة ولم أرها مسندة من وجه صحيح ثم ذكر هذه الطرق وأثبت فى كل واحدة منها صحة حكمه) ج3 ص 239 - وليس فى البخارى ذلك. والإمام الشوكانى المفسر القدير أيضا يقول بعد سياقه لهذه القصة: (ولم يصح شئ من هذا ولا ثبت بوجه من الوجوه) فتح القدير .. ج2 ص 250 – وليس فى البخارى إلا الصحيح .. والإمام ابن حجرمن أكابر المحققين فى الحديث يقر بعد ثبوت شيوع القصة على ألسنة المشركين (أنها جاءت بطرق كلها إما منقطعة أو ضيعفة..) -وهذا لا ينطبق على شروط صحة الحديث فى البخارى.
وكذلك من أكابر علماء العقيدة: القاضى عياض فى كتابه الشفا ينفى تماما أن يكون الشيطان أثر على رسول الله صلى الله عليه وسلم – ووضع على لسانه مدحا للغرانيق ويكتب قائلا: (إن الأمة أجمعت فيما طريقه البلاغ – أن النبى – معصوم فيه من الإخبار عن شئ بخلاف ما هو عليه قصدا، ولا عمدا، ولا سهوا، ولا غلطا) والبخارى الذى أثنت عليه الأمة لا يخالف ما أجمعت عليه الأمة. وكذلك الإمام الرازى له كلام نفيس فى ذلك يقول فيه بعد استطراد: (إن الكلام الموحى به إلى الرسول.. محوط بمعجزة تبين للرسول أن الذى بلغه ملك معصوم لا شيطان مضل..) ولم نر فى البخارى ذكرا للشيطان هذا ولا تأثيره.. وكل ما وجد فى البخارى أن النبى قرأ سورة النجم، وفى آخرها سجد هو ومن معه، ثم ألقى المشركون سجدا أيضا.. قال العلماء: وسبب سجودهم هذا هو: شعورهم بعظمة الآيات، وقوة معانيها، وأساليبها، وهم يعرفون أكثر من غيرهم هذه القوة.فخروا سجدا لهذه العظمة، والتى جعلت قائدا لهم من قبل وهو من قادة الفصحاة والبلاغة والبيان يقول عن القرآن بعد سماعه :" والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو ولا يعلى عليه "" فالذى يوصّف القرآن بهذا الأسلوب هو ومن معه يعرفون قامة، وقيمة أساليب الكتاب المجيد . إذن لا الشيطان أثر فى الرسول، ولا ألقى على لسانه غير الموحى به، والموحى به فى السورة حقيقة هو: التهكم بألهة المشركين لا مدحها، والآيات شاهدة على ذلك قال تعالى :( أفرأيتم اللآت والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذن قسيمة ضيزى إن هى إلا أسماء سميتموها أنتم وأباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان )!! ، وهنا السؤال : هل هذا مدح أم سخرية وتهكم ؟ وأين قصة المدح المزعومة والمنسوبة لإمامنا البخارى والذى يدعى أنه نسبها لسيد الخلق صلى الله عليه وسلم؟.
وبناء على ذلك: النبى عندنا محاط بالعصمة. فلا يمكن لشيطان أن يخترق هذه العصمة، ويؤثر على المصطفى – عليه الصلاة والسلام- فيما أمره الله من تبليغ، ولو ذكر البخارى عندنا اختراقا لهذه العصمة لكنا أول المتهكمين به، فالحق عندنا أحب من البخارى ، ونحن لا نقدّس البخاري، إنما نقدّر البخارى ونقدر جهده ،والرجل صادق فيما كتب، وما كتب قصة مخترعة مثل هذه التى رددها ذوى العاهات العقدية والعلمية قديما ، واتحفنا بها المبطلون حديثا، لذا وجب على إعلامنا أن يتخير علماء أفاضل فى الحديث عن سنة سيد المرسلين ،وأن يبتعد عن نشر الترهات، والأساطير على ألسنة مجهولين يدعون أن الشيطان أثر على الرسول!، والبخارى سجل هذا الأمر، ولو علموا مكانة الرسول ما قالوا ذلك ، ولو علموا أن الشيطان لا يستطيع أن يقترب من عباد الله المخلصين ( إلا عبادك منهم المخلصين) ما تفوهوا بذلك، ولو علموا قوله تعالى: ( وما تنزلت به الشيطان وما ينبغى لهم وما يستطيعون) * ما رددوا ما يقولون، ولو علموا على من تنزل الشياطين: (تنزل على كل أفاك أثيم) ما ظهروا فى إعلامنا ليوهموا الناس أنهم يدافعون عن السنة وصاحبها وهم يطعنون فى السنة وصاحبها ، ولا يدافعون، ولو علموا أن البخارى ما ألف كتابه "الجامع الصحيح" لكى يأخذ به جائزة نوبل، ويذهب بريعه فى رحلات سياحية على شواطئ أوربا، ولكن ألفه ليذب به ذباب البشر عن سنة سيد البشر، وإخلاصا وخدمة لدين الله، لو علموا ذلك ما تفوهوا بكلمة: "مسخرة" ضد شخصه الكريم، وعمله النافع العظيم، ولكن دائما أبدا نرى الحاقدين والمغرضين لفضائل أهل الحق يحسدون ويجحدون، لذا وجب علينا تبيان ذلك ورد شبه المغرضين... وللردود بقية إن شاء رب العالمين،والله من وراء القصد ، وهو وحده الهادى إلى سواء السبيل.