يبدو أن البند الثالث من خارطة الطريق وهو انتخابات البرلمان سيأتى بنتائج عكسية على الجميع، فبعد أن التف المصريون حول الدستور ومن بعده الانتخابات الرئاسية تأتى الانتخابات النيابية لتقسم ما جمعه البندان الأول والثانى من الخارطة.
حقيقة الأمر أن الأزمة هذه المرة تكمن فى الأحزاب السياسية نفسها، إذ استمر الجهل السياسى قواما رئيسيا لكل خطوة تخطوها، كلما اقترب موعد انتخابات البرلمان، ولعل الشغل الشاغل لها حاليا هو مهاجمة بعضها البعض وخوض حروب شرسة لا تقتصر فقط على المتنافسين من فصائل مختلفة بل نجد تعاركا معلنا بين حزبين من نفس الاتجاه ولعل ما يحدث بين التيارات المدنية حاليا هو خير دليل على صحة ما أقول.
خلاصة القول، إن الأحزاب السياسية لجأت للشتائم والسباب وتناست الناخب البسيط، ونست الدور الذى ينبعى أن تقوم به فى الشارع، نست أن تخوض معركة حقيقية ضد الجهل والفقر فى القرى والنجوع، وتناست دورها التوعوى لرفع المستوى الثقافى لدى المواطنين.
ورغم أن كثيرا من قيادات هذه الأحزاب شارك فى وضع الدستور الجديد، إلا أنهم ابتعدوا كل البعد عن تطبيقه عمليا، وتبخرت كل دعواتهم المزعومة، أنه يدافع عن الحقوق والحريات، فليس معنى الدستور نصوصا تظل على ورق، وإنما هو ضمان تطبيق هذه النصوص لتصبح واقعا عمليا يسير عليه المواطنون قبل حكامهم.
ومما لا شك فيه أن الدولة هذه المرة عازمة على تغيير المستوى الاقتصادى للمواطن المصرى حاليا والعمل نحو واقع أفضل بدليل بدئها فى مشروعات قومية كمشروع قناة السويس الجديد ومشروع تنمية الساحل الشمالى ومشروع المليون فدان ومشروع الطرق وغيرها، إلا أن الأحزاب والقوى السياسية المختلفة اكتفت كعادتها بالشكر والثناء على مجهودات الرئيس ومجلس الوزراء فى هذا الصدد، ولكن أين الفكر الذى لطالما صدعت به رؤوسنا؟ وأين الحكومة الموازية لكل حزب وما هى مقترحاتها ومشروعاتها وماذا قدمت للدولة المصرية حكومة وشعبا حتى يثق بها الجميع ويختار الناخب مرشحا برلمانيا من بين أعضاء كل حزب سياسى ليمثل شعبه فى مجلس النواب.
الأسوأ من ذلك أن عددا ممن ينوون الترشح على قوائم الأحزاب السياسية فى مصر لجأ إلى الحيل القديمة التى لفظها المصريون فى برلمان 2010، برلمان أحمد عز، وطردودها أيضا فى برلمان 2012 برلمان الإخوان، لدرجة أن الأحزاب كانت توزع "الكحك" على الفقراء كنوع من الدعاية خلال عيد الفطر الماضى، وعادت ريما لعادتها القديمة لتوزع الزيت والسكر على الناخبين وتستغل الفقر السياسى والمادى لدى البسطاء.
المشكلة يا سيدى الفاضل ليست فى قانون الانتخابات وحده، وليست فى قانون تقسيم الدوائر فحسب، وإنما المشكلة الرئيسية لديك أنت.. نعم أنت أيها الحزبى الذى تطالب دوما بحقوقك من الدولة تجاه القوانين والتشريعات وتنسى فيه واجباتك تجاه المواطنين.
إن برلمانا يخرج من رحم أحزاب كهذه تتعامل معه كبرطمان مغلق يحيطه التراب، بداخله مربى يهرع النواب لأكلها وبشراسة، فى الوقت الذى ينثرون التراب الذى يحيطه ويوزعونه على الفقراء والبسطاء من هذا الوطن.