لا يمكن تفسير هذا الإقبال المدهش على شراء شهات استثمار قناة السويس إلا بأن المصريين باتوا فى أمس الحاجة إلى مشروع وطنى يجمعهم ويشعرهم أنهم يسهمون بجدية فى إعادة بناء بلد تم انتهاكه وتدميره بفعل فاعل على مدار أربعة عقود!
ستة مليارات جنيه حصيلة اليوم الأول من بيع هذه الشهادات كما تقول المصادر، وهو رقم يحير العقول خاصة أن هذا اليوم – الخميس 4 سبتمبر–شهد انقطاعًا مفاجئا للكهرباء فى معظم محافظات مصر، الأمر الذى كان من المتوقع أن يؤثر بالسلب على إقبال المصريين وذهابهم إلى البنوك، إذ سيلعن الناس الحكومة والنظام ويحجموا عن الذهاب، ومع ذلك أصر الناس على المشاركة وتحملوا متاعب الخروج والمشكلات الناتجة عن انقطاع الكهرباء!
صحيح أن نسبة الفائدة على شهادات القناة مرتفعة إلى حد كبير، لكنه لا يبرر على الإطلاق أن يحج الناس إلى البنوك أفواجًا، وقد شاهدنا حجم الزحام على منافذ البيع!
لا تفسير سوى أننا نشعر بجوع شديد نحو مشروع وطنى نلتف حوله ونصنعه ونشيده بأيدينا، وأن الشعب المصرى فى مجمله اطمأن إلى هذا المشروع وإلى السلطة السياسية الجديدة التى أطلقته، وأنه اقتنع بأن الخطوات التى تتخذها قيادة البلاد هى خطوات جادة ومخلصة، حتى وإن شابها قصور هنا أو عطب هناك!
المضحك فى الأمر أن جماعة الإخوان وأنصارها من العصابات المسلحة المتاجرة بالدين مازالت تتحدث عما أسمته انقلاب 3 يوليو، ومازالت تتوعد الجيش والشرطة، ومازال (فقهاؤهم ونجومهم) يكيلون السباب لنا فى الفضائيات المشبوهة، وهى أمور تؤكد كلها جهل هذه الجماعات والفقهاء والنجوم بطبيعة الشعب المصرى جهلا تامًا فادحًا وفاضحًا.
ليت الذين يشنون حربًا على المصريين يتأملون مشهد الإقبال على شراء الشهادات ويدرسونه جيدًا، وليت جماعة الإخوان وأنصارها من العصابات المتاجرة بالدين تتفهم خصائص الجهاز النفسى للكتلة الغالبة من الشعب المصرى، هذا الشعب الذى أدرك منذ آلاف السنين أن الزمن يسير إلى الأمام، وأنه لا شىء يعود إلى الوراء، وأن من يرفع فى وجهه السلاح ويغدر به لا تصالح معه ولا أمان له!