تقع على أطراف حى البساتين وعلى بعد كيلو مترات من مقابر الطائفة اليهودية بمصر، تحيطها الأسوار من جميع الجهات، تظن للوهلة الأولى أنها حصن منيع، فقط ينقصها لافتة كبيرة "ممنوع الاقتراب والتصوير"، وفضولك يجبرك على السؤال عن ماهية المبنى الذى يقطن وسط عشش فقيرة، يعمل أغلب سكانها بصناعة الرخام، وبالسؤال تعرف أنها مقابر البهائيين فى مصر.
وتدق الأبواب تتفاجأ بسماع أصوات من إذاعة القرآن الكريم، يعقبها حديث لأحد الشيوخ، الأمر الذى يثير ريبتك أكثر، ومع اجتياز الحصن المنيع تستطيع فك طلاسم ما رأيته، وتعلم أن قراءة القرآن وسيلة الحاجة هندية، حارسة المقابر والتى تتولى مسئولية الاعتناء بها للعيش بين الموتى.
وتقول "هندية"، "مابنمش غير على القرآن والصلاة هى اللى بتصبرنى" و"أنا بقالى 20 سنة فى المكان ده، وأول ماجيت كنت مع أبويا واتعلمت منه إزاى أحافظ على مكانى، لكن القصة بدأت بموت أبويا وكنت وقتها
أرملة، وده كان أصعب الأوقات اللى عيشتها فى حياتى".
وتكمل هندية، "قعدت شهور وسنين عشان أعرف أنام، لكن أكل العيش الحاجة الوحيدة اللى خلتنى أستحمل لحد ما اتعودت على المكان"، والبعض يرى أن عمر الديانة البهائية فى مصر سنوات معدودة، ولكن بالسؤال عن عمر المقابر، علمنا أنها تعود إلى 150 عاما، واستطاعت أن تدخل مصر عن طريق اتنين من تجار السجاجيد الإيرانيين.
وتؤكد هندية لـ"اليوم السابع"، "مهمتى الاعتناء بالمقابر وحراستها وتنظيفها باستمرار، ومرتبى لا يتجاوز 800 جنيه، وكنت فى البداية أتقاضى 195 جنيها، ولكن تم التوسع فى أعداد المقابر التى يقدر عددها بالمئات مقارنة بالماضى"، مشيرة إلى أن أغلب الموتى الذين تم دفنهم تتنوع ديانتهم من مسلم إلى مسيحى، ولكن يعد "ميراز" أقدم الموتى الذى تم دفنهم فى المقابر.
ومع تجولك داخل المقابر تسيطر عليك رهبة شديدة، وفضول فى قراءة الجمل المكتوبة، وكان أبرزها استبدال كلمة "انتقل إلى رحمة الله" بجملة "المتصاعد إلى الله"، ويتوسط المدافن "مدفن مميز" يتخذ شكل المسلة الفرعونية تجد أسفله الآتى "محمد تقى أصفهانى" ويحمل تاريخ 13 ديسمبر 1946 تجاورها رموز غريبة تحمل "2 المسائل 102ب"، ومن أبرز المدافن مدفن الفنان حسين بيكار المتوفى فى نوفمبر 2005.
وتروى "هندية"، "فى البداية شعرت بفضول شديد للتعرف على طقوسهم الجنائزية التى وجدتها تتشابه كثيرًا فى طرق الدفن لدى المسلمين، ولكن ما يميز طقوسهم المناجاة ويقوم الحاضرون بقراءة "الكتاب الأقدس"، أهم الكتب الدينية لهم، وبعض الآيات الافتتاحية على الميت حتى يتم دفنه"، لافتة إلى أن البهائيين يختلفون فى طقوسهم الجنائزية بعدم الاعتراف بالأربعين، لكنهم يحرصون على زيارة المقابر فى السنوية، فضلا عن أن هناك قراءات خاصة فى دفن الموتى تختلف من الذكر إلى الأنثى.
وتشدد "هندية"، "محاولتش أسال شغلى حلال ولا حرام عشان باختصار مليش مكان غير هنا" وتتابع قائلة "الكثير يعتقدون أننى أنتمى إلى الدين البهائى لمجرد عملى وأحد الشيوخ السلفيين قالى لى: "ما دام عايشة معاهم تبقى زيهم، وأعلم أن مهنتى قد تكون شبه حرام لكننى لو استجبت لهم وتركتها أين أسكن ومن أين أعيش؟"، وتضيف "محافظتى على الصلاة وقراءة القرآن تجعلنى لا أبالى بطقوسهم، وهم لم يحاولوا اجتذابى يوما لاعتناق البهائية بل يحسنون معاملتى على قدر اعتنائى بالمكان".
فيما قالت أمانى، ابنة الحاجة هندية، "لم نشعر يوما بوجود حاجز نفسى بيننا وبين المكان فقد ألفناها واعتدنا عليه، بل لم أشعر بالراحة إلا بين جدرانه، وعندما حاول عدد من الأهالى التعدى على المقابر لأخذها بوضع اليد، وقت ثورة يناير، تصدينا لهم واستطاعت والدتى أن تقف أماهم على الرغم من إشهارهم السلاح فى وجهنا واستطعنا حماية المكان بفضل الله".
وتختتم الحاجة هندية، حديثها قائلة "عمرى الآن تعدى الخمسين عاما، ومن المقرر أن أترك المكان عندما أبلغ 60 عاما، ولم أعرف كيف أستطيع البعد عنه، فهنا عشت أجمل أيام حياتى على الرغم أن كنت أحيا وسط الأموات".
مقابر البهائيين فى مصر ترفع شعار "ممنوع الاقتراب والتصوير"
الحاجة هندية "حارسة المقابر" تروى لـ"اليوم السابع" تاريخ المقابر فى مصر
حارسة مقابر البهائيين تكشف أبرز طقوسهم الجنائزية
أخبار متعلقة:
نرصد حكايات ١٠٠ عام عاشتها عائلة مسلمة تدفن موتى اليهود.. أقدم حانوتية تكشف طقوس الطائفة فى دفن موتاهم.. وأبرزها تجنب وضع الزهور على المقابر.. وتؤكد: "سعر دفن المتوفى منذ 30 سنة كان 200 جنيه"
مقابر البهائيين بالبساتين "ممنوع الاقتراب والتصوير".. أنشئت قبل 150 عامًا.. والمناجاة أشهر الطقوس ولا يعترفون بالأربعين.. وأبرز المدافن للفنان حسين بيكار.. والحارسة: لا أعلم هل مهنتى حلال أم حرام
الأحد، 07 سبتمبر 2014 07:19 ص
سكان مقابر الطائفة اليهودية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ريمير
الموضوع عن مقابر البهائيين أم عن الحاجة ( هندية )
كننا ننتظر تحليل أعمق
عدد الردود 0
بواسطة:
ريمير
الموضوع عن مقابر البهائيين أم عن الحاجة ( هندية )
كننا ننتظر تحليل أعمق