تعانى الصحف القومية بدرجات مختلفة من مشكلات مالية وإدارية وتحريرية كبيرة موروثة من عصر مبارك، ومع ثورة يناير و30 يونيو تفاقمت الأزمة نتيجة منافسة الصحف الخاصة والإعلام الجديد وتراجع الدخل من الإعلان، من هنا لابد من التفكير فى حلول عملية وسريعة لإنقاذ وتطوير الصحف القومية التى يعمل بها أغلبية الصحفيين. وأول الحلول المطروحة أن تقوم الدولة بدعم الصحافة القومية ماليا وإداريا من خلال إسقاط ديونها أو جدولتها، وكذلك تسديد ما عليها لتلك الصحف من مستحقات، والسؤال هنا كيف تدعم الدولة الصحافة القومية وفى الوقت نفسه نحافظ على استقلالها وحريتها؟ لابد من إيجاد صيغ جديدة ومبتكرة توازن بين دعم الدولة للصحف وضمان استقلالها وحريتها، من هنا يجب أن نفكر ونبحث فى ضمانات وشروط تحقيق هذه المعادلة. وفى كيفية النهوض بصحافتنا القومية التى كان لها السبق والريادة فى المنطقة العربية.
وأعتقد أن النهوض بالصحافة القومية يجب أن يبدأ بالاهتمام بتدريب العاملين فيها وتعديل هيكل الأجور مع البحث فى إمكانية تحويل بعض الصحف التى تراجع توزيعها إلى إصدارات إلكترونية. بصياغة أخرى هل يمكن أن يكون الإعلام الجديد حلا لتعثر بعض الإصدارات الورقية؟ وهل يمكن أن يتسع منظور إصلاح الصحافة القومية والنهوض بها فلا يقتصر على إسقاط ديونها أو منحها قروضا جديدة وإنما يشمل إعادة تدريب وتأهيل العاملين فيها باعتبارهم رأس المال الحقيقى للصحافة القومية.
لاشك فى أهمية حل مشكلات التمويل الصحف القومية، لكن الأهم من وجهة نظرى هو النهوض بالعناصر البشرية فى مؤسساتنا الصحفية وتمكين الشباب، لأن البشر هم كلمة السر فى كل التجارب التنموية الناجحة فى العالم، وفى كل المجالات، وأنا على ثقة تامة من توافر الكفاءات البشرية فى المؤسسات الصحفية القومية، بل إن هناك فائضا من تلك الكفاءات يقوم بتشغيل وإنجاح بعض الصحف والقنوات الخاصة، من هنا فإننى على قناعة تامة من أن إعادة الهيكلة والتدريب وتوافر الدعم المادى والمعنوى كفيل بسرعة النهوض بصحافتنا القومية والنهوض بها وتحويلها إلى صحافة للخدمة العامة، صحافة حديثة ومستقلة سياسيا عن الحكومة، تلتزم بأعلى مستويات الأداء المهنى، وتلتزم أيضا بمواثيق الشرف الإعلامى، وبالتالى تكون قادرة على تقديم معلومات وآراء متوازنة تضمن تشكيل رأى عام واع، وقادر على مقاومة الإرهاب ودعم جهود التنمية، أن تطوير ودعم إعلام الدولة وتحويله إلى إعلام خدمة مجتمع وضمان حريته هو الهدف الذى يجب أن يحظى بالأولوية ضمن عملية إعادة هيكلة المنظومة التشريعية والقانونية للإعلام المصرى فى المرحلة الراهنة، لأن إعلام الخدمة العامة - فى كل التجارب الدولية - هو الضامن الرئيسى، والثابت، لإنجاح عملية التحول الديمقراطى، ولإنهاء مظاهر الفوضى واللامهنية والاحتكار والاستقطاب فى الإعلام. ولا يعنى ذلك تهميش أو حصار الإعلام الخاص، وإنما على العكس فإن المطلوب هو التوازن والعدالة بين كل مكونات المنظومة الإعلامية الوطنية، وبما يحترم حقوق القارئ والمستمع والمشاهد، ويحقق الحرية والمسؤولية الاجتماعية بعيدا عن سطوة رأس المال أو سيطرة الحكومة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة