أجل.. إنهم شخص واحد، وليسوا ثلاثة، وما حدث فى فرنسا قبل يومين يؤكد ذلك، وكل الذين ارتكبوا عمليات إرهابية هنا أو هناك كانوا خارجين تقريبًا من بئر الإحباط ثم الإجرام، قبل أن ينخرطوا فى مستنقع الجماعات العنيفة المتاجرة بالدين.
الحكاية بسيطة وموجعة ويكاد يشترك فى مضمونها جميع الإرهابيين.. شاب صغير ولد فى مجتمع - شرقى أو غربى - لم ينتبه لوجوده، فلم يحظ بفرصة جيدة للعمل، فلاذ بالإحباط، وامتلأ صدره بالسخط، ثم تعرف على قبيلة المجرمين الذين ينهبون ويسطون ويقترفون الكبائر، فانحشر بينها.. يسرق ويقتل ويعاقر الخمر ويتاجر فى المخدرات، وفى لحظة تعتريه نوبة ندم، ويشعر أنه أخطأ فى حق نفسه، وأن عذاب جهنم له بالمرصاد.
هنا يأتى دور تجار الدين.. إذ فى سعيه للبحث عن طريق للنجاة من أهوال الآخرة، ينضم المجرم سابقا إلى جماعة تزعم أنها تتحدث باسم الإسلام، ليتحول إلى ناقم ضد المجتمع الكافر! هذا التحول يتم بيسر لأن صاحبنا لم يقرأ ولم يفهم، فقد أضاع حياته بين ضفتى الإحباط والإجرام، الأمر الذى يجعل تجنيده وضمه للجماعات المتاجرة بالدين مسألة سهلة للغاية، خاصة وأن حشرة العنف عرفت طريقها إلى صدر صاحبنا منذ كان نجمًا فى دنيا الإجرام!
الأخوان سعيد وشريف كواشى اللذان اقتحما الأربعاء الماضى جريدة «شارلى إيبدو» وقتلا 12 شخصًا يعدان نموذجين ناصعين لما قلناه فى السطور السابقة، فقد أكدت التقارير الصحفية أنهما من أصل جزائرى وولدا فى فرنسا، ولما أهملت المؤسسات الفرنسية شؤونهما، كما أهملت شؤون الآلاف غيرهما، سلكا طريق الإجرام، حتى سقطا فى مستنقع جماعات الإرهاب.
إن الإرهاب «الفرنسى» يفتح الباب على مصراعيه لمناقشات أهم وأوسع تتعلق بمستقبل النظام الرأسمالى برمته، وهل استطاع هذا النظام أن يحقق الأمان والرفاهية لجميع أفراد مجتمع أم لا؟ ورغم أن أوروبا تنعم بمساحة من «الثراء» على حسابنا لا بأس بها، إلا أن طبيعة النظام الرأسمالى تؤدى حتما إلى وجود عدد كبير من العاطلين «نسبة البطالة فى أسبانيا %25».
من هنا يتولد الإحباط، ثم يتحول إلى إجرام، لينتهى بالإرهاب!