اصطف زعماء ومسؤولون من 50 دولة فى المسيرة التى شهدتها العاصمة الفرنسية باريس أمس الأول تنديدا بالإرهاب، وقفوا متراصين وعلامات الأسى ترسم وجوههم، غاضبين من العمليات الإرهابية التى شهدتها فرنسا فى الأسبوع الماضى، وهى العمليات التى لا يقرها شرع ولا دين، لكن كم واحد من هؤلاء القادة يتحمل مسؤولية تفشى الإرهاب؟ وعلى سبيل المثال لا الحصر، هل من المنطق والضمير ألا يكون نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل إرهابيا؟، هل هكذا سقطت قضية فلسطين من حسابات المجتمع الدولى، فتحولت إسرائيل إلى صاحبة ضمير، وقادتها إلى دعاة مقاومة الإرهاب؟
كان وجود نتنياهو فى الصف الأول للمسيرة دليلا دامغا على تناقض الغرب وازدواجيته فى النظرة إلى الإرهاب، هو يكافئ إسرائيل، ولا يستطيع إلزامها بأى شىء له علاقة بحقوق الإنسان، ويعجز عن فرض أى قرارات دولية عليها، ويمدها بالمال والسلاح التى تقتل به الشعب الفلسطينى.
قد يرى الغرب أن مساعدته لإسرائيل ووقوفه معها بلا حدود من شأنه أن يرتب فى الجهة المقابلة موات للقضية الفلسطينية، وتحويلها إلى مجرد مجموعة من اللاجئين وتبقى المشكلة فى كيفية تسكينهم، غير أن إبقاء التعامل بهذه الرؤية الاستعمارية البغيضة، سيؤدى إلى الإبقاء على مناخ خصب للإرهاب.
هؤلاء الزعماء الذين اصطفوا فى مسيرة باريس، لم يسألوا أنفسهم عما ارتكبوه من جرم فى حق الشعب السورى، حيث وفروا الظروف لتحويل الأرض السورية إلى ساحة قتال بين الفرق التكفيرية من ناحية، وبينها وبين الجيش العربى السورى من ناحية أخرى، هؤلاء هم الذين وفروا الفرصة لاقتطاع جزء من سوريا لسيطرة داعش عليها، ثم تمددت السيطرة إلى العراق.
نشطت فرنسا من البداية فى الوقوف ضد بشار الأسد ونظامه، وقدمت المساعدات للذين حملوا السلاح، وغضت الطرف عن دخول التكفيريين والإرهابيين إلى سوريا، وساعدت على سيناريو الفوضى هى وأمريكا وبريطانيا وتركيا وإسرائيل، أملا فى أن ينتهى هذا السيناريو بإسقاط نظام بشار، والمجىء بنظام بديل، كما حدث فى العراق بعد سقوط صدام حسين واحتلال أمريكا للعراق، وليس من المفهوم حتى الآن ما إذا كان سيناريو الفوضى فى سوريا قد فلت زمامه أم لا من فرنسا وتركيا وأمريكا وإسرائيل ؟ المهم أن النتائج على الأرض حتى الآن هى ارتفاع وتيرة الإرهاب فى المنطقة، وما يحدث فى سوريا هو بمثابة ضخ دماء فى شرايين هذا الإرهاب، وبقراءة المعادلة من أول تكوين لها، سنجد أن قادة الغرب الذين اصطفوا أول أمس فى مسيرة باريس هم السبب الرئيسى، هم الذين يكتبون كل مكونات معادلة الإرهاب.
ما يحدث فى ليبيا من فوضى وإرهاب هو نتيجة أخرى من نتائج ما فعله الغرب وحلف الناتو، فتحولت الأراضى الليبية إلى مسرح للقتل والدمار، ولم يعد هناك دولة بالمعنى المتعارف عليه، وسبقها إلى ذلك العراق، والحصيلة مئات من الأبرياء يذهبون كل يوم ضحايا للإرهاب الذى صنعه الغرب بتدخله فى المنطقة إلى حد الاحتلال المباشر.
هكذا يؤدى نفاق المجتمع الدولى إلى مزيد من الإرهاب، ولن يكون ما حدث فى باريس هو الأخير طالما بقى هذا النفاق.