1 - فى البدء كانت مدرجات الدرجة الثالثة، ومن بعدها حضرت الجماهير إلى المدرجات، وأصبحت كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى.
فى البدء كان الجمهور، ثم ظهرت كرة القدم لتستمد سحرًا من هتافات «التالتة شمال»، وتحصل على لقب الساحرة المستديرة.
فى البدء كانت ضحكة «أنس» ومن بعدها جاءت كل دموع مجزرة بورسعيد، وهل يوجد أبشع من اغتيال براءة الأطفال للبكاء عليها؟!، لا يوجد لكنهم فى وطنى لا يبكون، وإن بكى بعضهم بكى مؤقتًا حتى تمر ساعة وراء الأخرى، وينسى مثله مثل الباقين.
تقترب الذكرى الثالثة لأحداث مجزرة بورسعيد، ولم يعرف الدم قاتله، ولم يعرف القصاص مسار تحقيقه، ولم يعد أحد فى مجالس إدارات الأندية واتحاد الكرة مهتمًا بتنفيذ ما وعد به عقب المجزرة بأيام.. الكل يريد للمركب أن يسير، حتى لو كان سيره فى بحر دم لم يجف بعد.
2 - للألتراس أغنية اسمها «المجد للشهداء» تتصدرها صورة الشهيد «أنس»، ويجمع فيها شباب الألتراس أكبر عدد ممكن من أسماء الشهداء حتى لا ينساهم الناس مثلما نسيتهم الجهات الرسمية، بعض من كلمات الأغنية يقول: «الاسم كان محمود غندور إنسان طيب ومش مغرور، الاسم كان محمود سليمان إنسان من صناع الحياة، الاسم كان كريم جونيور ورا الأهلى بيلف يدور، الاسم كان إسلام علوان ورا الأهلى فى كل مكان، الاسم كان مصطفى عصام كله طيبة واحترام، الاسم كان سيد جودة جدعنة شهامة ورجولة، الاسم كان رشدى الفنان قائد أوركسترا التالتة شمال، الاسم كان يوسف البطل أنقذ كتير من الخطر، الاسم كان أنس الجميل ضحكته ماكنش ليها مثيل».
3 - فى وطن لا يهتم بالبشر، لا تنتظر مستقبلًا أكثر إشراقًا من الحاضر..
لا أحد ضد النظام واللوائح والقوانين، وعودة المياه إلى مجاريها، فقط كنا نتمنى إبداء بعض الاهتمام بالبشر قبل الجرى خلف اللوائح، كنا نتمنى من الصحافة والإعلام أن تهتم بأهالى شهداء مجزرة بورسعيد أكثر من اهتمامها بتشكيل الفريقين، وخطط المدربين، وأخطاء الحكام، وتحليل الأهداف.
الكل اهتم بالمبارة، ولم يهتم أحد بالبشر والدم، الكل اهتم بسير منتظم للدورى، ولم يهتم بمداواة جراح 74 أسرة مصرية، لم يهتم أحد بتقريب المسافات بين أهالى الشهداء وفكرة لعب المباراة نفسها، لم يهتم أحد لدرجة أنهم طعنوا الأهالى أكثر من مرة.
4 - الطعنة الأولى جاءت من إدارة النادى الأهلى التى غفلت عن وعدها الذى قطعته أمام أهالى الشهداء عقب المذبحة فى فبراير 2012، ووعدت الأهالى بأنها ستقاطع أى أنشطة رياضية تقام مع فرق بورسعيد لمدة خمس سنوات، ولن تكتفى بإقالة محافظ بورسعيد، ومدير أمنها، والمطالبة بضرورة التحقيق معهما فى مسؤوليتهما السياسية والجنائية عما حدث لجماهير الأهلى، وأسفر عن موت الشهداء، وزيادة أعداد الجرحى والمصابين.
لم تمر السنوات الخمس، ولم تتابع إدارة النادى الأهلى سير التحقيقات مع المحافظ ولا مع مدير الأمن، ولم تقدم الإدارة الحالية تحركًا مقنعًا فيما يخص موافقتها على لعب المباراة دون حضورها، وكأنها تستهين بعقول الجميع.
الطعنة الثانية جاءت من الدولة نفسها التى غاب عنها التنسيق لدرجة أن أحدًا فى أجهزتها لم يلفت انتباهه أن جلسة محاكمة المتهمين فى مذبحة بورسعيد تم عقدها فى نفس توقيت لعب المباراة، وكانت جلسة استماع لشهادة الدفاع تم خلالها الادعاء بأن التحقيقات مفبركة، والمتهمين أبرياء، وكأن أحدًا يريد أن يقول لأهالى الشهداء لا قصاص لدماء أبنائكم اليوم.
الطعنة الثالثة جاءت من الدولة نفسها، الدولة التى اختارت للمبارة ملعب الجونة وهى تعلم أن محافظ البحر الأحمر الذى سيحضر المباراة هو نفسه كان محافظًا لبورسعيد وقت حدوث المذبحة، وواحد من المتهمين بالتقصير الذى أدى لزيادة أعداد الشهداء والمصابين، وكأن أحدهم يريد أن يخبر الأهالى أن فى مصر يمكنك أن تتولى منصبًا وتنفلت الأمور من بين يديك لتحدث كارثة ضخمة يموت فيها 74 شابًا، وبعدها تحصل على مكافأتك بتعيين فى محافظة مهمة.
الطعنة الرابعة جاءت من اتحاد الكرة الذى هرب السادة المسؤولون عنه من حضور المباراة على قدر أهميتها، ثم تركوا مباراة المفترض فيها أنها خطوة للم الشمل، وإعلاء كلمة الروح الرياضية، يتم إخراجها كتمثيلية رخيصة، حينما امتنع اللاعبون عن مصافحة بعضهم البعض فى إشارة حولت المباراة من فعل مصالحة إلى فعل يؤكد أن المعركة مستمرة، وأن ما فى القلب سيبقى خامدًا كالرماد فى انتظار لحظة أخرى يسمح فيها القدر بهدر المزيد من الدماء.