رغم التصريحات التى تطلقها إسرائيل دائمًا بأنها "الديمقراطية" الوحيدة فى الشرق الأوسط وأنها "واحة الديمقراطية" وسط محيط مليء بالاضطرابات وعدم الاستقرار، إلا أنه بالتدقيق للأحداث السياسية والاجتماعية بالدولة العبرية خلال السنوات الأخيرة، خاصة عام 2014 الماضى، نجد أن هذه التصريحات ما هى إلا مجرد مزاعم لا وجود لها على أرض الواقع، ولطالما زعم نتنياهو فى العديد من المناسبات والاجتماعات الدولية أن إسرائيل دائمًا جزيرة من الاستقرار والديمقراطية داخل بحر عاصف، وزعم خلال خطابه الأخير بالجمعية العامة للأمم المتحدة فى شهر سبتمبر الماضى، قائلاً: "نحن دولة ديمقراطية نموذجية، ولكن بمقارنة تلك التصريحات المزعومة على أرض الواقع نجد أنها غير مطبقة وليست لها أساس من الصحة وأن هناك العديد من الشواهد تؤكد كذب وادعاء نتنياهو ودولته المحتلة.
وكان من أبرز النماذج وأكثرها وضوحًا على اضمحلال الديمقراطية الإسرائيلية فى الفترة الأخيرة وكذب نتنياهو والمسئولين الإسرائيليين هو اقتراح "قانون أساس إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودى"، أو ما عرف إعلاميًا بـ"يهودية الدولة" على أساس دينى وأكد الكثيرون فى إسرائيل أن هذا القانون يفضل الخصائص الدينية اليهودية لإسرائيل على الخصائص الديمقراطية، ويدعو القضاة والمشرعين الإسرائيليين إلى الأخذ بعين الاعتبار تقاليد الشريعة اليهودية فى سن القوانين وفى عملهم التشريعى، وانتقدت وزيرة القضاء الإسرائيلية السابقة، تسيبى ليفنى، والتى كانت مشاركة فى الائتلاف الحاكم القانون عقب طرحه فى الكنيست، حيث قالت فى حينها: "إنه من المؤكد أن الاقتراح ليس ديمقراطيًا، لأن مبادئ الديمقراطية أصبحت قضية تافهة، وبأفضلية ثانية تحويل إسرائيل إلى بيت الشعب اليهودى الذى سيتم تفسير التشريعات بحسبه". بالإضافة إلى سن قوانين وتشريعات على خلفية دينية، فقد سنت أحزاب اليمين اليهودى فى الكنيست خلال العام الماضى قانون "رفع نسبة الحسم" فى انتخابات الكنيست، والذى تم تشريعه قبل الانتخابات القادمة، ليؤكد تزايد الاتجاه المناهض للديمقراطية فى إسرائيل، فرفع نسبة الحسم للأحزاب الصغيرة إلى 3.5% بدلاً من 2% يعنى أنه سيكون من الأصعب على الأحزاب الصغيرة وعلى رأسها "الأحزاب العربية" الفوز بتمثيل فى الكنيست، وبشكل خاص إذا لم تتوحد القوائم العربية فى قائمة واحدة فهذا يعنى أن نسبة تمثيل العرب فى الكنيست المقبل ستكون أقل من نسبتهم السابقة.
ومن بين الأمور البارزة التى تؤكد "وهم الديمقراطية الإسرائيلية" والتى حدثت خلال العام الماضى تحديدًا، الصراع الذى نشب حول استقلالية المحكمة العليا فى إسرائيل، فوفقًا لمبادئ الديمقراطية الإسرائيلية، فلدى المحكمة العليا صلاحية إلغاء القوانين التى يشرعها الكنيست، إذا لم تكن تتماشى مع "قوانين الأساس" فى إسرائيل، ونظرًا لأنه لم يكتب دستور حتى الآن فى إسرائيل فهناك "قوانين أساس" هى التى تحدد الحياة الدستورية فى إسرائيل، وقد أثير النقاش حول استقلاليّة المحكمة بشكل خاص بعد أن ألغت تعديلاً أقره الكنيست قانون "التسلل"، والذى شرع حبس المهاجرين الأفارقة الذين تسللوا إلى إسرائيل بطرق غير شرعية، وللمرة الثانية خلال العام الماضى حكمت المحكمة العليا بأن القانون الذى أقره الكنيست غير دستورى، وقامت بإلغائه، وعلى الفور كانت ردود الفعل فى النظام السياسى الإسرائيلى غاضبة للغاية، حيث هاجم وزير الداخلية السابق، جدعون ساعر، الذى اقترح صياغة القانون المحكمة ودعا إلى الحد من صلاحياتها، ما يؤكد كيف تتدخل السلطة التنفيذية فى عمل القضاء والتدخل فى شئونه وهو ما يتعارض مع مفاهيم الديمقراطية بجميع دول العالم.
وبرغم من أن أهم ثوابت الديمقراطية الفاعلة فى جميع دول العالم المتقدم الديمقراطى هو السماح لوسائل الإعلام المستقلة، بنقل الآراء النقدية والنزيهة للشعب، تم وضع علامات استفهام كبيرة أمام هذا الثابت خلال العام الماضى فى إسرائيل، ففى الأسبوع الأخيرة من 2014 تم تعتيم شاشة القناة العاشرة الإسرائيلية على خلفية ديون مالية كبيرة عليها، واتهمت إدارة القناة والعاملين فيها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذى يتولى أيضًا منصب وزير الإعلام، بأنه كان بإمكانه التدخل من أجل تأجيل دفع الدين والسماح للقناة بالاستمرار فى الوجود، ولكن بسبب الانتقادات السياسية التى كانت تطلقها القناة ضده من خلال المحللين السياسيين العاملين فيها عمل نتنياهو على إغلاقها، وفى المقابل يدعى المقربون من نتنياهو أن تكميم الأفواه لوسائل الإعلام الإسرائيلية يأتى من جانب المعارضين للحكومة، بعد أن قرر عدد من النواب إقرار قانون يحظر توزيع صحيفة "يسرائيل هايوم" التى توزع مجانًا، والتى تعد الصحيفة الأكثر انتشارًا وتوزيعًا فى إسرائيل وأكثرها قربًا لرئيس الوزراء الإسرائيلى نفسه.
وتعد "العنصرية" هى العقبة الأخطر والأكبر أمام "الديمقراطية الإسرائيلية" المزعومة، فقد مثلت العنصرية بشكل خاص العقبة الرئيسية فى فترة الحرب ضد قطاع غزة فى صيف عام 2014 الماضى، والتى صدرت فيها تصريحات عنصرية ضد العرب من جانب اليهود فى شبكات التواصل الاجتماعية والتى نادت بقتل جميع العرب وطرد عرب 48 من منازلهم. ومن أبرز من عبر عن صعود "العنصرية" داخل المجتمع الإسرائيلى وتفشيها بشكل لافت ما يهدد ثوابت ما تسميه إسرائيل بـ"ديمقراطيتها الوحيدة" بالشرق الأوسط، البروفيسور الإسرائيلى اليسارى زئيف شتيرنهل، المتخصص فى صعود الحركات الفاشية والعنصرية فى المجتمعات، خلال مقابلة أجراها مع صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية وأعرب فيها عن حجم قلقه قائلاً: "أنت ترى فى إسرائيل التآكل التدريجى لقيم التنوير وترى هذا الفقدان، الذى كان دائمًا موجودًا على الهامش، وشيئًا فشيئًا اقترب، حتى سيطر اليوم على المركز، فعندما يظن الناس أن الديمقراطية تقوض القومية ويرفضون الاعتراف بقيمة القيم العالمية كقيود على الديمقراطية، فهذه وصفة للقضاء عليها".
وأخيرًا ومما يؤكد "وهم ديمقراطية إسرائيل"، ما كشفه "مؤشر الديمقراطية" فى إسرائيل لعام 2014، الذى يجريه سنويًا المعهد الإسرائيلى للديمقراطية، بأن ثقة المجتمع الإسرائيلى بمؤسسات الدولة والقيادة متدنية جدًا حيث أظهر أن 60% من الإسرائيليين لا يثقون بالمؤسسات الحكومية وفى قدرتها على حل المشاكل التى تواجه المجتمع، وأعربوا عن عدم ثقتهم بالحكومة واعتبروها حكومة فاسدة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة