"العرق مبتدأ العشق".. بلال رمضان يراهن على القارئ والكتابة الشعرية

السبت، 17 يناير 2015 02:36 م
"العرق مبتدأ العشق".. بلال رمضان يراهن على القارئ والكتابة الشعرية غلاف المجموعة
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى مجموعته القصصية "العرق مبتدأ العشق" والصادرة عن دار روافد، والتى تدخل بكل أريحية فى "فكرة المتتاليات السردية" يخوض بلال رمضان نوعا من الكتابة المغايرة التى تترك مساحة كبيرة للقارئ، وتكاد تجعله شريكا أساسيا فى لعبة الكتابة، حيث إن دوره يأتى مساويا تماما لدور الكاتب الذى يتنازل بكل وعى عن فكرة تقديم الحقائق الكاملة للقراء وفرض الوصاية العليا عليهم.

والمتتالية تتكون من 40 نصا ربما أشدها كثافة وأكثرها إرباكا هو النص الأربعون لأنه جاء عبارة عن صفحة بيضاء لا يشوبها سوى رقم 40، وعلى القراء كل على حدة وكل شخص حسب ثقافته وحسب مدلول هذا الرقم المقدس لديه أن يضع المعنى الذى يريده لهذه الصفحة البيضاء، وربما يفكر قارئ معين أن يكتب بخط يده فى هذه الصفحة شيئا متعلقا بذاته هو أو بشخص بلال رمضان، والرقم 40 له دلالات متسعة فى الثقافة المصرية الشعبية وكذلك فى الثقافة الإسلامية، فهو فى الثقافة الشعبية المصرية يرتبط بشيئين متناقضين الفرح والحزن والاحتفال بهما فى اليوم الأربعين، وفى الثقافة الإسلامية يرتبط ببلوغ منطق الرجال والعقل وإيتاء النبوة، وعليه يظل هذا الرقم يعنى الخروج من مرحلة لمرحلة أخرى، فعندما ترك بلال رمضان النص الأربعين صفحة بيضاء فهى محاولة للعبور إلى هذه المرحلة بسلام بعد أن كتب 39 نصا تعبر عن شكه وإيمانه ويقينه وإنكاره وفرحه وحزنه ومواجهته وهروبه، أى أنه كتب عن إنسانيته وهو الآن يبحث عن المقدس فى الرقم 40.

وتتراوح النصوص فى المجموعة بين القصر الشديد والتوسط ولا نكاد نجد نصوصا طويلة، وبالتالى أوجد ذلك نوعا من التكثيف الذى فرضه هذا النوع من الكتابة، وعادة ما تعمل الجمل القصيرة والكتابة القليلة على تحطيم أطراف الدلالة، بمعنى فتح النص على الحكمة البشرية العامة أكثر من الخاصة، حيث يقل الحديث عن الذات الشخصية للكاتب حتى وإن بدا واضحا فى استخدام ضمائر "الأنا" فهى تمنح معنى أوسع ودلالات أبعد عن الوجود الإنسانى عامة والمعنى من هذا الوجود وعلاقته بالعادى والمقدس فى هذه الحياة.

كما يوجد بجانب هذا الاهتمام الكلى بالوجود وعلاقاته المتشعبة اهتمام بالتفاصيل البسيطة والتى ربما يقصد منها الكاتب الإلمام بالحياة بكل جوانبها، خاصة التى تبدو ذات طابع شخصى كأن يقول "الليلة أشعر بأن الكتابة تتدفق منى إليك، بأن أصغر ناقد سيفضح النص ويعرفك، بأن موسيقى تشياكوفيسكى أقل من أن تناسبك، وبأن ملائكة الله حائرة لا تعرف أتضيف الحسنة أم السيئة؟" هذا هو النص العشرون الذى يتوسط النصوص ويصبح فى مكان "ميزان العدل" لهذه الكتابة، يخاطب الروح التى لا يعرف كيف يرضيها لا بالكتابة ولا بالموسيقى ولا حتى باليقين التام والإيمان المكتمل، يرى أن كل الأشياء أقل من أن تقدمها كاملة وتمنحها حقها، الكتابة واضحة مفضوحة والموسيقى لا تناسب اللحظة مع أنها ربما تكون موسيقى "شهرزاد" للعظيم تشياكوفيسكى، حتى أن الملائكة أيضا سقطوا فى هذه الحيرة بين الحسنة والسيئة لا يعرفون ما الذى عليهم كتابته، وهو لا يعرف ما الذى عليه كتابته للوصول.

بلال رمضان لا يؤمن بالعناوين، لأنها هنا تصيب القارئ بالضلال فاستعاض عن ذلك بالأرقام، ربما لأنها منظمة، وربما لأنها حادة الدلالة وواضحة ولا تحتمل التأويل كالحروف، لكن هذه الأرقام جاءت محملة بالدلالة هنا، فكل رقم يرتبط بالنص الذى يتبعه ويأخذ منه دلالته ومعناه.

اللغة فى "العرق مبتدأ العشق" مكثفة تماما وربما فى نهاية المجموعة لن تشغل نفسك بوضعها فى إطار محدد من حيث القصة الخالصة أو القصيدة المنغلقة، فهى كتابة قصصية تتمتاز بحس شعرى واضح خاصة فى النصوص الأخيرة، كما أن الشكل الذى اختاره بلال رمضان لكثير من النصوص يأخذ شكل الكتابة الشعرية، وربما كان غياب علامات الترقيم فى كثير من النصوص الداخلية واعتبار السطر الشعرى الوحدة العامة للكتابة يؤكد ذلك.. فـ"بلال رمضان" فى كتابته يمنح اللغة القدر الأكبر من همه الإبداعى مراهنا عليها وعلى القارئ صديق رحلته الدائم.


موضوعات متعلقة:


قريبًا.. "العرق.. مبتدأ العشق" لــ"بلال رمضان" مجموعة قصصية عن "روافد"










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة