مرت أمس الأول ذكرى ميلاد جمال عبدالناصر «15 يناير 1918»، كانت مصر وقت ميلاده تحت الاحتلال البريطانى، وكانت قناة السويس التى حفرها المصريون بسواعدهم خارج السيطرة المصرية، وكأن آلاف الشهداء من الفقراء الذين ذهبوا ضحية السخرة فى حفرها كانوا يحفرونها لصالح استعمار مستبد يخطط على أن تكون تحت سيطرته دائماً، ولهذا سيبقى تأميم قناة السويس واحدا من أعظم إنجازات عبدالناصر، لأنه لم يكن مجرد استرداد شريان مائى عالمى لصالح مصر، وإنما كان «التأميم» عنواناً كبيراً للاستقلال الوطنى، واسترداد الكرامة الوطنية المفقودة.
فى ذكرى ميلاد عبدالناصر، ومع التحولات التى تعيشها مصر والمنطقة، ومع انكشاف حقيقة جماعة الإخوان التى ناصبته العداء، ومارست أكبر الأكاذيب فى حقه، بغرض تشويه مشروعه الوطنى العظيم، حتى تبدو أنها المشروع البديل، أقول إنه ومع وهم الإخوان الكبير كانت معركة تأميم القناة التى ترابطت مع معركة بناء السد العالى، وبالرغم من عظمتها وعمقها فى تاريخ التحرر الوطنى والعالمى، لم تسلم من تشويه الجماعة.
تحضرنى الآن معركة تأميم القناة فى ذكرى ميلاد جمال عبدالناصر، بعد أن أطلعنى الإعلامى الرائد أحمد سعيد المذيع الشهير فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى ورئيس إذاعة صوت العرب وقتها على مذكراته الشخصية والسياسية، كان ذلك منذ فترة، وكان الإعلامى العظيم يمدنى بكل فصل من فصول مذكراته الضخمة والمهمة لقراءته والنقاش معه حوله، وفى الفصل الخاص بتأميم قناة السويس، وجدت كلاما وحقائق ومعلومات يكتبها الرجل بقلبه وعقله، ويذكر تفاصيل هامة فى إدارة هذا الحدث العظيم والذى امتد إلى العدوان الثلاثى على مصر «فرنسا وبريطانيا وإسرائيل».
أخذتنى القراءة، وحين تحدثت مع أحمد سعيد حوله، أبديت له إعجابى الشديد بما ذكره، فسألنى: «ما هو أكثر شىء لفت نظرك فى هذا الفصل «تأميم القناة»، أجبت: «لفت نظرى أن عبدالناصر عمره 38 عاماً فقط، وتلك حقيقة معلومة مقدماً، لكننى مع قراءة قيادته للحدث والتفاصيل التى ذكرتها، طرحت على نفسى سؤال، كم عمر هذا الرجل؟ وكأننى أحتاج إلى من يذكرنى به؟ رد أحمد سعيد، أمد الله فى عمره ومتعه بالصحة والعافية: «معك حق، فعلاً وأنا أكتب وأستعيد ذكرياتى مع الحدث، وتفاعلى معه، ومشاركتى فيه بطريقة وبأخرى، كنت أسأل نفسى، هل يعقل أن يكون عمر الرجل الذى قاد هذا الحدث الذى جعل العالم يقف على أطراف أصابعه 38 عاماً فقط».
أضاف سعيد: أخذ عبدالناصر قراره ولو حسب المسألة بعقل بارد، وبما يقال عن حكمة الشيوخ، لما أقدم على ما فعله أبداً، لكنه فكر خارج الصندوق، فكر بقلب جامد وعقل راجح، وأن هناك لحظات حاسمة فى تاريخ الأوطان تحتاج إلى أبطال يحملون رؤوسهم على أكفهم، ويقول أحمد سعيد: «تخيلت وأنا أكتب عن تأميم قناة السويس، ماذا لو فشلت هذه الخطوة؟ صحيح أن التاريخ ليس فيه كلمة «لو»، لكن لو فكر عبدالناصر فى سلامته الشخصية وقدمها على أى شىء، لما كان، رحمه الله زعيماً وبطلاً نادراً فى التاريخ، هكذا قال أحمد سعيد عن جمال عبدالناصر.