ما أن أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى عن إجراء حركة تغيير كبرى فى المحافظين حتى انهالت علينا سيول من التصريحات والتحركات التى يقوم بها عدد من المحافظين الحاليين فى محاولة منهم لـ«اللف والدوران» والتحايل على القيادة السياسية والظهور أمام الدولة وأمام الشعب بأنهم يقومون بواجبهم على أكمل وجه بينما الواقع يقول غير ذلك، وبينما الحقيقة تؤكد أنهم مجرد أشخاص «متعجرفون» معزولون عن الناس ولا وجود لهم فى الشارع ولم يعد المواطنون يقبلون منهم تلك التصرفات التى ربما كانت متاحة من قبل، ولكن بعد ثورتين عظيمتين غيرتا وجه الحياة على أرض مصر أصبح المواطن يعى جيداً حقوقه وواجباته، وأصبح على يقين بأن المسؤول مهما كان كبيراً فهو أولا وقبل كل شىء خادم لهذا الشعب، بل هو موظف فى الدولة مهمته الرئيسية تقديم يد العون للمواطنين، والقيام بتنفيذ الخدمات والمشروعات التى تستهدف فى المقام الأول توفير جميع أشكال الراحة للمواطنين، ولو لم يكن قادراً هذا المسؤول أو ذاك على القيام بتلك المهام فعليه أن يترك موقعه ويرحل.
هذا الكلام ليس مجرد وجهة نظر شخصية وإنما هو ترجمة حقيقية لفكر الرئيس السيسى الذى كرر هذا القول أكثر من مرة وفى أكثر من مناسبة، حيث أكد أنه لا مكان لمسؤول غير قادر على خدمة الناس فإن لم يكن هذا المسؤول سواء كان وزيراً أو محافظا قادراً على هذا الأمر فعليه ترك موقعه فى الحال ليأتى غيره يكون قادرا على تحمل المسؤولية بشكل كامل وبما تفرضه متطلبات منصبه.
وحينما أتحدث عن حركة المحافظين المرتقبة فإننى أتوقف بعض الشىء أمام تصريحات المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء الذى أكد مراراً وتكراراً أن من سيتولون مناصب المحافظين فى الحركة التى باتت وشيكة تم اختيارهم بعناية فائقة، أنه لا يزال يقوم بانتقاء الأفضل، وهنا أقول إن الناس لم تعد تتحمل مفاجأة أن يأتى أشخاص يتعاملون مع المنصب على أنه نوع من «المنظرة»، نحن فى حاجة إلى شخص يتولى هذا المنصب يكون شخصا له رؤية، ويعمل وفق فكر، ويتعامل مع الواقع بشكل مباشر، وأن يكون متواجداً فى الشارع بشكل مستمر، فقد مضى عهد المحافظ الذى يظل جالساً فى مكتبه منفصلاً عن الواقع وبعيدا كل البعد عما يجرى فى الشارع، فهذا وللأسف الشديد كان ولا يزال يحدث فى عدة محافظات، وبخاصة هؤلاء المحافظون الذين يتفننون فى عرقلة مسيرة أى مشروع ناجح طالما جاء هذا المشروع من أحد غيرهم، وكأنهم هم فقط الأوصياء على المواطنين فى المحافظات التى يتولون شؤونها، فلماذا لا يقوم المحافظ الناجح باحتواء الجميع فى محافظته وأن يكون بمثابة المظلة الكبرى التى تتم تحتها جميع المشروعات والأنشطة الناجحة فى محافظته، لأنه وببساطة شديدة سيتم فى النهاية احتساب هذا النجاح له، ولكن وللأسف الشديد فإن الأفق الضيق لدى البعض وقصر النظر الذى يعانى منه عدد ليس قليلا من المحافظين جعلهم يقيسون كل شىء على أساس ما سيعود عليهم شخصيا بالنفع، أما مصلحة المواطنين فلا وجود لها فى حساباتهم الخاطئة.
يا سادة نحن فى حاجة إلى محافظ يشعر باحتياجات الناس ويرصد مشاكلهم ويعمل ليل نهار على حلها وتوفير كل أشكال الراحة للمواطنين التى هى من أبسط حقوق المواطن على الدولة.. نحن فى حاجة إلى محافظ قد يكون عمره 40 عاماً أو 50 عاماً ولكن بأى حال من الأحوال يجب ألا يزيد عمره على الـ 60 عاما،ً وذلك حتى يكون قادرا على الحركة هنا وهناك بسهولة ويسر، صحيح أن الخبرة والسن لهما اعتباراتهما حينما يتعلق الأمر بالمناصب القيادية، ولكن فى المرحلة المقبلة نحن أحوج ما نكون إلى محافظ يتمتع بروح شبابية وسريع الحركة، بحيث يكون على نفس النهج الذى يسير عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى، ويترسم نفس خطى المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء الذى منذ أن قام بتشكيل حكومته فإننا لا نراه إلا فى الشارع ووسط الناس يستمع إلى مشاكلهم ويناقش مطالبهم ويتابع ما يجرى على أرض الواقع من مشروعات، وهو أمر لم نكن نعتاد عليه من قبل فى تصرفات أى رئيس حكومة، مع الاحترام الكامل لرؤساء الحكومات السابقة، ولكنها كلمة صدق أقولها فى حق رجل يستحق منا كل تقدير على ما يقوم به ليل نهار من أجل صالح هذا الشعب.
نحن فى حاجة إلى من يقوم بترجمة احتياجات الناس على الطبيعة وأن يقوم بنفسه بمتابعة كل صغيرة وكبيرة تجرى على أرض المحافظة التى يتولاها، وهذه الصفات ليست نادرة الوجود، فمصر مليئة بالكفاءات فى جميع المجالات ومليئة بمن هم يتمتعون بتلك المواصفات المطلوبة ولكن ربما يكون بعض ضعاف النفوس من المسؤولين الحاليين قد تعمدوا إغفالهم أو التعتيم عليهم خوفاً من أن يكونوا سبباً فى كشفهم على حقيقتهم، ولكن أنا على يقين تام بأنه لا يصح إلا الصحيح، وأن تلك الكفاءات التى تمتلئ بها مصر من الشمال إلى الجنوب سيأخذون حقهم فى يوم من الأيام وستتم الاستعانة بهم فى كثير من المواقع القيادية، فمصر التى تتشكل ملامحها الآن فى حاجة إلى كل يد تبنى وكل عقل يفكر وكل صاحب رؤية مستقبلية، مصر التى تنهض الآن فى حاجة إلى سواعد تلك الكفاءات التى يجب أن تظهر على السطح وأن نزيل عنها الغبار الذى أبعدها عن دائرة الضوء لأسباب قد يكون وراءها عدد من المحافظين أصحاب القلوب السوداء الذين يخشون من كل ظهور كل صاحب فكر فى محافظتهم، ويقتلون معنويات كل صاحب موهبة، خوفا من أن يسرق منهم الأضواء الوهمية التى يحيطون أنفسهم بها، أملاً فى البقاء والاستمرار فى مناصبهم لأطول وقت ممكن.
وحتى أكون منصفاً فهناك عدد من المحافظين يعملون بجد وبإخلاص وبما يرضى الله، ولكننى حينما تحدثت عن المقصرين فهذا لا يعنى أن كل المحافظين من تلك النوعية التى أقل ما توصف بها أنها تلعب بـ «البيضة والحجر» وتقوم بتصرفات «مكشوفة» للضحك بها على المواطنين.. ولكن أقول لهؤلاء قد تستطيعون خداع الناس لبعض الوقت ولكن لا تستطيعون ممارسة لعبة هذا الخداع كل الوقت.. وبالطبع فإن حركة المحافظين المرتقبة سوف تقوم بـ«غربلة» هؤلاء، بحيث سيتم الإبقاء بالأكفاء فقط أما هؤلاء المقصرون «المرتعشون» فسيكونون بكل تأكيد خارج الصورة لأنه لا مكان لهم فيما بعد ولا مكان لشخص يتعامل مع المنصب على أنه نوع من «الوجاهة الاجتماعية» لا أكثر ولا أقل.
والحق يقال فإننى حينما أكتب محذراً من هذا النوع الذى أصبح «موضة قديمة» فإننى أنبه إلى خطورة الإبقاء على أى محافظ لم يكن له دور ملموس فى محافظته طوال توليه هذا المنصب، فإن العواقب ستكون وخيمة، وربما يصل الأمر إلى حد إشاعة الفوضى والتوتر فى أى محافظة يفاجأ مواطنوها ببقاء محافظهم الذى بكل تأكيد قد «نفد رصيده» فى الشارع ولم يعد يحظى بأى احترام من الناس ولم يعد أحد يصدق ما يدلى به من تصريحات عبر وسائل الإعلام عن مشروعات وهمية وعن أنشطة لا وجود لها على أرض الواقع.. ففى هذه الحالة ستكون الدولة وتوجهات رئيس الجمهورية كأنها تعيش فى وادٍ بينما هؤلاء المحافظون غير الجديرين بالمنصب يعيشون فى وادٍ آخر، بل يسيرون فى الاتجاه المعاكس والمغاير تماماً لتوجهات الدولة.
وهنا تكمن خطورة الموقف وتأتى أهمية ما يقوم به المهندس إبراهيم محلب فى مسألة اختيار وانتقاء الشخصيات التى تتضمنها حركة المحافظين الجدد، وهى مهمة أراها فى غاية الخطورة وفى غاية الأهمية فى نفس الوقت، لذا أتمنى من الله العلى القدير أن يوفقه فى اختيار الأصلح، وأن يبعده عن شبهة المجاملات التى كانت تحدث من قبل فى مثل هذه الاختيارات، والتى كانت تتسبب من قبل فى كوارث حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى داخل عدد ليس قليلا من المحافظات الذى يظل أهلها يعانون من هذا الاختيار الخاطئ حتى يأتى تغيير جديد للمحافظين.
نحن الآن نعيش حالة أشبه بحالة المخاض الذى لا يعلم ما سيترتب عليها إلا الله، لذا ادعوا معى من قلوبكم أن تكون حركة المحافظين على نحو يبعث على التفاؤل ويبشر بالخير كل الخير لمصرنا الحبيبة.
قولوا معى ورددوا من قلوبكم «آمين»