د. شوقى عبدالكريم علام

هدى النبى صلى الله عليه وسلم فى إدارة الصراع والتعامل مع الفتن

الأحد، 18 يناير 2015 11:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يقول الله تبارك وتعالى فى سورة الأحزاب: «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا «21» ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما «22»
هاتان الآيتان الكريمتان أصل كبير فى التأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم فى أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر الناس بالتأسى بالنبى صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب الذى كان موقفا عصيبا، فى صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه، عز وجل، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين، ولهذا قال تعالى للذين تقلقوا وتضجروا وتزلزلوا واضطربوا فى أمرهم يوم الأحزاب: «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة» أى: هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله؟ ولهذا قال: «لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا». لقد تجلت حكمة الرسول فى هذا الموقف وأنتجت لنا قيما خالدة فى إدارة الصراع نحن فى أمس الحاجة إلى التأسى بها الآن.
وسيرة رسول الله «صلى الله عليه وسلم» تمثل لنا أرضا خصبة وكتابا مفتوحا للتأمل وأخذ الأسوة فى معالجة الأمور وإدارة جميع ما يعن لنا من مصاعب وخطوب، فقد كانت له «عليه السلام» طريقة فريدة فى إدارة الأزمات وفق حكمة سديدة، فقد كان «عليه السلام» بفطنته ينهى منازع الخلاف بشكل قاطع، مع حماية المجتمع الإسلامى من آثار الأزمة، بل يعمل على الاستفادة من الموقف الناتج عن الأزمة فى الإصلاح والتطوير، واتخاذ إجراءات الوقاية لمنع تكرار الأزمة أو حدوث أزمات مشابهة لها. وإنك لترى آثار هذه الحكمة فى تلك المعالجات فى السيرة النبوية الشريفة قبل البعثة وبعدها، فمن ذلك أنه قبل البعثة أعادت قريش بناء الكعبة على أساس قواعد إبراهيم «عليه السلام» حتى بلغ البنيان موضع الركن فأرادت كل قبيلة أن ترفع الحجر الأسود إلى موضعه دون الأخرى، فاختصموا وأوشكوا على الاقتتال، ولما أخبروا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» الخبر، قال: «هلمَّ إلى ثوبا»، فأتى به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ثم قال: «لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا» ففعلوا حتى إذا بلغوا موضعه وضعه هو بيده الشريفة ثم بنى عليه «سيرة ابن هشام 1 - 182».

وبهذا التفكير السليم والرأى الصائب حسم «صلى الله عليه وسلم» الخلاف بين قبائل مكة، وأرضاهم جميعا، وجنب بلده وقومه حربا ضروسا شحذت كل قبيلة فيها أسنتها.

وبعد بعثته صلى الله عليه وسلم، واجه المسلمون الكثير من الأزمات المختلفة الأشكال، بين تعذيب لكل من أسلم، وحصار فى شعب أبى طالب، ثم بعد الهجرة أخذت المواجهات بين المسلمين والكفار اتجاها أشد ضراوة من مثل ما صوره القرآن فى واقعة الأحزاب، قال تعالى: «إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا» «الأحزاب: 10ــ11».

وعندما عرف أعداء الإسلام بعد الحروب الطويلة مع المسلمين أن القضاء على هذا الدين وأهله لا يمكن بطريق استخدام السلاح، قرروا أن يشنوا حربا دعائية واسعة ضد هذا الدين من ناحية الأخلاق والتقاليد، وأن يجعلوا شخصية الرسول أول هدف لهذه الدعاية، وذلك من خلال المنافقين من سكان المدينة، فكانوا يستفزون المسلمين ويمارسون حربا نفسية معهم، حتى طالت بيت رسول الله «صلى الله عليه وسلم» نفسه فيما كذبوا عليه فى حادثة الإفك.
ولكن الرسول «صلى الله عليه وسلم» استطاع الإمساك بزمام هذه الصعاب والوصول بالمسلمين إلى بر الأمان بحكمته وإدارته الواعية لتلك الشدائد، من حيث إدراك الواقع على ما هو عليه، والحكمة فى معالجة الأمور، واعتبار المقاصد والمآلات، والاستفادة من الأزمة لما بعدها، والعمل على عدم تكرارها، وكسب أرض جديدة منها، حتى تكون المحنة منحة.

ومما عاناه المسلمون كذلك من المرجفين وأصحاب الأهواء والمصالح الضيقة فى المدينة، وكان سبيل الخلاص من كل ذلك حكمة الرسول «صلى الله عليه وسلم» من ذلك ما فعله «صلى الله عليه وسلم». حينما بلغه قول عبدالله بن أبى بن سلول فى حق المسلمين: «لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل» فأراد عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن يقتله، فقال له رسول الله: «فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل اصحابه؟!» «أخرجه البخارى 6/154» وجاء فى رواية : فذكره للنبى «صلى الله عليه وسلم»، فأمر أن يؤذن فى الناس بالرحيل ليشتغل بعضهم عن بعض» «أخرجه عمر بن شيبة فى تاريخ المدينة 1/274».

فهنا ظهرت حكمته «صلى الله عليه وسلم» فى معالجة الفتنة وإخماد نيرانها قبل أن تشتعل، حيث وجههم إلى الرفق واللين، من أجل أن يخمد الشر قبل أن ينتشر كالنار فى الهشيم، ثم أمر أصحابه بالرحيل فى وقت ليس من عادته الرحيل فيه، ليشغلهم بالترحال عن حديث الفتنة فيئدها فى مهدها.
بهذا النظر يجب أن نتحلى بشىء من حكمته «صلى الله عليه وسلم» فى إدارة الأزمات وحل المعضلات، ونعلم أنه ليس لنا مخرج أو سبيل للخروج من كل ذلك إلا بالامتثال والتحقق بما أمرنا الله تعالى به فى حقه صلى الله عليه وسلم، حيث قال سبحانه: «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا» (الأحزاب: 21) فإذا فعلنا ذلك كان نبراسا لنا يهدينا سواء الصراط نحو مستقبل مشرق للأمة العربية والإسلامية التى تحاصرها الأزمات وتعتصرها الملمات فى وقت حرج تزداد فيه المشكلات من كل حدب وصوب، وتتكالب فيه الشرور علينا كما تتكالب الأكلة على قصعتها.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة