شيرين ماهر تكتب: لو كان بشرًا لقتلته!

الإثنين، 19 يناير 2015 12:15 م
شيرين ماهر تكتب: لو كان بشرًا لقتلته! ورقة وقلم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم أكن أتصور يومًا أن تجرفنى مثل هذه المشاعر السلبية لتنحصر أحلامى المستحيلة فى الفتك بذلك الشىء الخبيث الذى لا أجد له سلطانًا، فهو يخرق ناموس العلم والطب ليوثق العجز البشرى بمواثيق أبدية. أصبح كفيروس "الأنفلونزا" الذى يقترن بفصل الشتاء كاقتران العاشق بالمعشوق، لكن دورته فى الجسد التعيس لا تقتصر على مجرد أيام ليحزم أمتعته ويغادر، ولكنه يكمن فى ثناياه حتى النخاع، إلى أن يُزهِق الأرواح ويَنخُر الإرادة ويستفز الألم... إنه مرض "اللعنة التى لا ترحل"، إنه "السرطان"...!

أمقت الحروف التى تتكون منها "كنيته" برنينها المزعج وفحيحها المقبض. لقد فاضت الأقلام وجفت الأحبار بالحديث عن هذا المرض اللعين ورصد معدلات ضحاياه على مستوى العالم سنويًا، ولكن يبقى لدى أصحاب التجارب الشخصية مع "قرصان الحياة" نزعة تشبه الحجر الثقيل الذى يرسو بقاع محيط من الإحباطات، فكلما تكاثفت آمال النصر والنجاة، يمحوها "عناده" السافر و"تربصه" المقيت.

قد أكون سوداوية بعض الشىء وأنا أصف "بغيضى"، ولكنى استنفذت كل ثغرات التفاؤل وتخطيت مراحل التمنى بعدم الوصول للخانة الأخيرة. ذلك المربع المظلم الذى رأيت بعض ممن أعرفهم وأصيِبوا بلعنته الفتاكة، و"هم" ينحصرون به فى محطات وداعهم الأخير. صارت النسبية المطلقة تطيح بكل الاحتمالات والاستنتاجات، فكل من أصابته اللعنة يصبح قاطرة وحيدة لا يمكن قراءة طالعها إلا الله.

تخيلوا يا سادة تلك الزيادة المطردة والمخيفة فى أعداد المصابين بتلك اللعنة من كافة الأعمار والأجناس، وكأننا نتنفس خُبثًا ونتجرع سُمًا ونتناول زرنيخًا... فتلك هى المسببات الحيوية التى يمكنها إحداث هذا التفشى، فلم تعد أرضنا الطيبة تُؤتى أُكلها، بل صارت رهينة المحبسين بالأسمدة المسرطنة والنفايات المحظورة، فأخذ جوفها لا يقذف سوى كل خبيث، لتأتى ذرات هوائنا المشبعة بأعلى معدلات تركيز الرصاص كى تُحكِم "دائرة الموت" غَلقًا.

ألا تستحق مثل هذه الدائرة المفرغة التى لا تحوى طوق نجاة واحد بمحاولة لتهشيمها، ونبش جوانبها الحادة أملاً فى بعض الأكسجين النظيف؟ أى منطق فى استيراد الأدوية الكيمائية والهرمونية وغيرها من خطوط العلاج الحديث من الخارج ونحن نحتضن اللعنة فى أحشاء الوطن، وبعد أن آوينا الداء نبحث له عن "ترياق"..!

كلما سقط لى عزيز من قريب أو بعيد فى براثن تلك البركة الآسنة، تمنيت لو كان هذا المرض اللعين شخصًا لأقتله آلاف المرات وليس مرة واحدة.. تمنيت التمثيل بجثته "الأخطبوطية" صاحبة الأذراع المتشابكة التى لا تملك فريسته فرصة للخلاص.. كثيرًا أتصوره كذئب جاحد العينين يرمق فى شراسة الفتك ضحاياه.. أكاد أتخيل التجاهل ملاذًا وقتيًا للهروب من طلة عينية المفزعة واختياراته المفجعة، ولكن الخبث يترعرع فى الباطن ويتسلق كنبات اللبلاب معتصرًا الرمق الأخير من الجَلد.. فيكون الموت دائمًا راحة عن البقاء بهذا البركان الملتهب من المعاناة.

اللهم ارفع غضبك ومقتك عنا يا كريم.. اللهم امنحنا ساعة إجابة تهدينا فيها لصالح الدعاء بما فيه الخير وأنت الأعلم به.. اللهم اربطنا بحبلك إلى يوم تشتد فيه الكبوات وتتعاظم الابتلاءات.. اللهم اجعلنا ممن طهرهم المرض من ذنوبهم، فكان ابتلاؤهم سبيلهم للفردوس الأعلى.. اللهم إن كانت تلك "اللعنة" القابعة بيننا سبيلنا للتطهر فأعنا على التحمل، وأن كانت من عبث بنى البشر فأرفعها بعزتك وجلالك يا ذا الجلال والإكرام.











مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة