أخطر ما فى فاتن حمامة أنها استطاعت تحطيم مقولات ماركس ولينين بخصوص صراع الطبقات، فالسيدة الرائعة التى رحلت عن عالمنا أمس الأول 17 يناير تمكنت من العبور بسلاسة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة دون الوقوع فى مشكلات معقدة يفرضها قانون صراع الطبقات الذى اكتشفه ماركس قبل 150 عامًا. فى أول إطلالة لها على الشاشة لعبت دور طفلة «أنيسة» لرجل بسيط فى فيلم «يوم سعيد» لمحمد كريم وقد عرض فى 15 يناير 1940، أى قبل 75 سنة بالضبط، وفى فيلم «صراع فى الوادى/ 1954» ليوسف شاهين جسّدت شخصية فتاة أرستقراطية ابنة باشا ثرى، وفى «عائشة/ 1953» لجمال مدكور تقمصت شخصية بائعة اليانصيب الفقيرة ليتكفلها رجل من الأثرياء فتنتقل للإقامة معه وتتخلص من جلباب البائعة لترتدى ثياب الفتاة المترفة. أما فى «دعاء الكروان/ 1959» لبركات فتفاجئ جمهورها بأداء بالغ الرقة والعذوبة بوصفها خادمة موجوعة وقعت فى عشق من خدع شقيقتها، لتطل علينا بعد أقل من عام زوجة وزير جبار يجالس الملك فى «نهر الحب/ 1960» لعز الدين ذو الفقار! لكن فاتن لم تنس نصيبها من دنيا الثورة، فنراها تشارك الضباط فى نضالهم ضد القصر مضحية بعلاقتها بأبيها الباشا الفاسد فى «الله أكبر/ 1955» لأحمد بدرخان، كذلك قدمها بركات فى «الباب المفتوح/ 1963» طالبة ثورية ترفض سطوة الناظرة وجبروت الأسرة وتقرر اختيار مستقبلها بنفسها لتنضم إلى الثوار الذاهبين إلى بور سعيد!
كلنا نبكى على حالها البائس فى «الحرام/ 1965» لبركات ونلعن «جدر البطاطا» الذى أضاع شرف الفلاحة الأجيرة، بعد أن كنا رأيناها قد شاركت رشدى أباظة كفاحه ضد الإنجليز فى «لا وقت للحب/ 1963» لصلاح أبوسيف. إن فاتن حمامة امتلكت مقدرة خارقة على التقمص والتماهى مع الشخصية التى تؤديها، لذا تحررت من مقولات ماركس ولينين وتجولت بين الطبقات بيسر وسهولة، فأحببناها فقيرة أو ثرية. يبقى أن تعرف أننى اخترت «حتى نلتقى» عنوانا ثابتا لهذه الزاوية لأنه اسم فيلم جميل أحبه لفاتن حمامة أنجزه بركات وعرض 1958.
رحم الله السيدة الفاضلة بقدر ما أسعدتنا وأمتعتنا.