لم يكن عامًا سعيدًا على الإطلاق، عام انقلبت فيه الموازين، عام تراجعت فيه القيم والمبادئ، وتعالت فيه أصوات الباطل، عام غاب فيه العقل والحكمة، وتصدر فيه التخبط والجهل والعبث، عام تكرر فيه كثيرًا مشهد عودة الجنود والضباط من أراضى سيناء فى نعوش ملفوفة بعلم مصر بيد الغدر والجبن، مشهد شديد القسوة والألم، فى كل مرة نشهده يتفاقم العجز بداخلنا حتى فقدنا القدرة على تحمله، عام أقر فى بدايته دستور البلاد، وانتُهك هذا الدستور طوال العام نفسه، عام تطبيق قانون تظاهر باطل دستوريًا يحاكم به شباب فى عمر الزهور ضاع عام كامل من عمرهم خلف قضبان الظلم والقهر، هذا ولم نعلم حتى الآن ما يحمله لنا ولهم عام 2015، عام أغلب إعلامه من أسوأ لأسوأ، من انتهاكات خصوصيات المواطنين لتحريض وتخوين لجن وشياطين وعناتيل، عام تغييب كامل للوعى ممتد من شهر لشهر، وانحدار للذوق العام، وتسفيه لعقول البشر يومًا بعد يوم طوال السنة.
عام الأمل الزائف، ولد فى بداية «عام وجع» لمرضى يعيشون بين يأس وأمل، بين حياة وموت، وينتهى العام بسراب يتلاشى داخله الأمل، فلا هناك علاج، ولا هناك جهاز، واستمر اللعب شهورًا قربت على سنة كاملة على قلوب تتعلق بقشة فى وسط موجات المرض!، عام كامل من التحريضات والاتهامات بالعمالة والتخوين والتجسس على شاشات إعلام جائر لـ25 يناير وكل رموزها دون محاكمات لمن يدعون أنهم «متهمون»، ودون إدانة لإعلاميين فاسدين كاذبين مضللين، فعام 2014 هو إعلان صارخ لانهيار دولة القانون، عام براءات لمبارك ونظامه الذى دمر مصر وطنًا وشعبًا لأكثر من ثلاثين عامًا، عام لإعادة إنتاج الماضى الذى ظن أنه دفن، عام تهيئة المناخ لإحياء أموات نظام مبارك ولصوصه ومجرميه، فهو عام سعيد للقتلة والفاسدين، حزين لأهالى شهداء الثورة ومصابيها.
عام اختفاء الرموز التى أرادت أن تكون مختلفة وموضوعية، أرادت أن تقول للحق حقًا وللباطل باطلًا، عام لا يتواجد فيه يوم أو شهر للرأى الآخر أو للرأى المخالف، عام الصوت الواحد، والموجة الواحدة، فمن يختلف يغرق، أو يختنق بإرادته الكاملة، عام رحل فيه أجمل ما فينا أحمد سيف الإسلام، الأب الذى عاش مناضلاً ومحاميًا للغلابة، ورحل باسم صبرى، الأخ والصديق الخلوق الذى رثاه د. أيمن الصياد بأصدق الكلمات وأدقها، حين قال إنه «واحد من الشباب كنا نراهن على نجاحه فى أن يحفظ ضميره من حالة الجنون التى تأكل الوطن».
اعذرونى لحصاد سواد هذا العام، فمن كتر سواده لم أستطع أن أرى بياضه الذى لا أنكر أنه ربما كان موجودًا فى مشروعات قومية، أو فى إطار اقتصادى أو مالى، أو فى علاقات خارجية دبلوماسية كما تحلله الأخبار فى هذا المجال، لكن من الطبيعى أننا لن نشعر بهذا البياض فى العام نفسه، لكن نتمنى أن نرى ثماره فى العام الجديد، ويحدث أثرًا فى نسبة الفقر فى مصر، وانحسارًا فى العشوائيات، وازدهارًا فى الاستثمار لعل وعسى يعود ذلك بالإيجاب قريبًا على الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان التى تراجعت بشكل غير مسبوق فى عام رحل عنا غير مأسوف عليه، ونستقبل عامًا ندعو من المولى عز وجل أن يكون أفضل مما سبقه، وأن يعوضنا الله عن أسى وقسوة عام مضى، خاصة لأهالى من دفعوا عمرهم فداء لهذا الوطن من رجال الشرطة والجيش، أو من دفعوا عمرهم دفاعًا عن كلمة حق، سواء صعدت أرواحهم عند بارئها أو قضوا سنوات خلف قضبان الظلم والقهر.
2015 عساك أن تحملى لنا الخير والعدل والعوض والنصر والحق والعزة والأمن والسلام والرخاء.