(1)
على أرض هذا الوطن بعض من البشر يطالبون بالجميل من الأشياء، ولكنهم لا يخجلون من وصف الجميل بالقبيح إن أتى به أناس غيرهم.
بعضهم يكره احتكار رجال الأعمال للمال، ويبغض احتكار فئة أقل للسلطة، ولكنه لايخجل من احتكار الشرف والصدق والوطنية لنفسه ومن معه.
كلنا نعرف قاعدة شعبية تقول: «ياما فى الحبس مظاليم»، ومنها ننطلق دوما لنهتف بخروج المحبوسين من الشباب والأطفال والطلبة وأصحاب الحالات الصحية الحرجة ماداموا لم يدانوا فى قضايا عنف أو تخريب، لكن البعض منا يريد للأمر أن يتم على طريقته، يريد للجمع أن يقف ليشاهد غريقا فى ماء البحر بينما هو يستكمل نقاشاته فى غرف مكيفة لإقناع الجميع بحل واحد فقط.. وتلك هى المشكلة: إما أن تسير فى طريقى أو يتحول ما تفعله من هدف مشترك، إلى هدف يجوز رميه بسهام التشويه.
(2)
فى 3 ديسمبر الماضى التقى الرئيس عبدالفتاح السيسى مجموعة من الكتاب والصحفيين والمذيعين، فيما عرف وقتها بلقاء شباب الإعلاميين، سمع الرئيس خلال ساعات اللقاء الستة ما لم يسمعه من قبل من انتقادات وأسئلة حول قضايا كان يظن أهل إعلام التطبيل أن الحديث فيها أو طرحها للنقاش خيانة، وكان من بين ما تم طرحه وانتقاده، بطء الدولة فى التعامل مع ملف المحبوسين من الشباب، وحالة التلكؤ الواضحة فى تنقية جداول المقبوض عليهم والإفراج عمن لم تتم إدانته فى قضايا عنف وتخريب تضر بالبلاد.
سمع الرئيس الأسئلة، وردّ بعبارة صريحة وواضحة: «تم تشكيل لجنتين لهذا الأمر سابقا وفشلتا، أدعوكم لتشكيل لجنة لمراجعة قوائم المحبوسين، وسأكون أول داعم لها، وستذهبون بأنفسكم إلى السجون وتخرجون بهم فى أيديكم».
الخبرات السابقة فى التعامل مع السلطة، أوحت للقلوب بأن ما قيل ينتمى لفئة كلمات «فض المجالس» أو التصريحات الوردية، حتى جاء اليوم الثانى للاجتماع ووجدنا مطاردة حقيقية وإلحاحا حقيقيا من مكتب الرئيس لتأكيد ضرورة تشكيل لجنة لفحص قوائم المحبوسين من أجل الإفراج عمن يستحقون، ووضع آلية مستدامة تمنع أخطاء القبض العشوائى.. ومن تلك اللحظة لم يتوقف دعم مكتب الرئيس أو إصرار شبابه على استكمال هذا الملف لتخرج دفعة أولى فى شهر يناير، ثم أكد الرئيس هذا الإصرار بإعلانه فى الإمارات عن وضع قوائم للإفراج عن المحبوسين من الشباب.
(3)
بعد نهاية لقاء شباب الإعلاميين مع الرئيس تم تشكيل اللجنة المختصة بالعمل على جمع الشكاوى ووضع قوائم للمحبوسين تمهيدا لعرضها على الجهات المختصة سواء كان مكتب الرئيس أو وزير الداخلية، وفى الجهتين كانت الأمور تسير بسهولة، سواء عبر إبداء الداخلية استعدادها للتعاون، أو عبر إصرار مكتب الرئاسة بشبابه على استكمال هذا الملف.
المجموعة كلها لم تبخل بجهدها فى مخاطبة كل الجهات والمنظمات التى تملك شكاوى، أو قوائم أو أرقام قضايا لكى تضمنها فى القائمة التى سيتم إرسالها للرئاسة وفقا لطلب الرئيس.
وللإنصاف طوال الفترة الماضية لم تتوقف إشارات الرئيس وأسئلته عن طبيعة العمل فى هذا الملف، فعلها فى الصين وسألنا مباشرة عن وضع العمل على ملف المحبوسين، ثم كرر الأمر فى الكويت، ثم كرره فى حواره مع رؤساء تحرير الصحف القومية، ثم جاء اتصال من مكتب الرئيس بالأمس يؤكد أن الماكينة بدأت « تطلع قماش»، وأن عددا من الأسماء التى أرسلناها ضمن قوائم المحبوسين تمت مراجعتها وأصبح بين اليد أسماء جاهزة للحصول على العفو أو الإفراج قبل نهاية شهر يناير الحالى.
(4)
الفترة الماضية كانت الأسئلة تلاحق مجموعة الشباب التى تعمل على إعداد قوائم العفو الرئاسى، أبرزها سؤال عن المعايير التى سيتم استخدامها للإفراج عن المحبوسين، وهل لها علاقة بانتمائه السياسى أو نوع القضايا، وكنا واضحين جدا فى هذا الأمر، وأعلنا أن الأولوية للأطفال ثم للطلبة، ثم للحالات التى تستحق عفوا صحيا، ثم للشباب الذين لم يثبت بحقهم ممارسة أعمال عنف بغض النظر عن الانتماء السياسى أو اسم القضية.
المعايير السابقة لم تلق إعجاب البعض، وتعرضنا لمزايدة واتهامات من الطرفين، البعض من أهل إعلام التطبيل يرى أن ما نفعله خرقا للقانون، وتشجيعا للعنف والمخربين، ثم كانت المفاجأة حينما وجدنا هجوما واتهامات من بعض الجهات التى تصرخ منذ شهور بضرورة خروج المحبوسين، ثم حينما بشرنا بأن دفعة أولى ستخرج عن قريب، تحولت صرخاتهم من طلب العفو إلى اتهامات بأننا نبيّض وجه الرئاسة، وهو اتهام نقبله إن كان فى سبيل رد بعض الغائبين إلى أحضان أهاليهم وإنقاذهم من ظلام السجن.
(5)
بعض من الناس رفع شعار غياب الآلية، وطبيعة عمل المجموعة ثم شكك قائلا: نخشى أن ما تفعلونه يصب فى مصلحة الرئاسة، لأنه سيتم عبر الرئاسة مباشرة دون آلية قانونية واضحة، كنا نعلم ذلك ولا نمانع، قررنا منذ البداية ألا نغرق فى أى جدل روتينى عن آليات، قررنا استخدام السلاح الأسرع، سلاح العفو الحق القانونى والدستورى الذى يملكه الرئيس بجانب سلاح الإفراج الصحى الذى يكفله القانون، لن نسقط فى الفخ الذى سقط فيه آخرون حينما تركوا من فى السجون فى السجون ودخلوا فى معارك إدارية وسياسية مع الداخلية أو الرئاسة، انتهت بالعاند، وببقاء من فى السجن فى السجن، ولهذا كان الهدف واضحا، نحن لا نحارب أحدا، لا نريد فقط سوى خروج الشباب والأطفال من السجون، خروجهم على دفعات، لا شىء أهم من أن تحتضن الأسر الغائبين عنهم، لا شىء أهم من إنقاذ الأطفال قبل تحولهم إلى مجرمين وقنابل موقوتة فى السجون، لا شىء أهم من خروج الطلبة للحاق بدراستهم قبل الضياع، لا شىء أهم من خروج أصحاب الوضع الصحى قبل التدهور، يحدث هذا، وبالتزامن معه نقف ونصارع ونحارب من أجل وضع آلية تمنع تكرار فتح أفواه أبواب السجون بشكل عشوائى أو انتقامى أو مخالف للقانون، وفقنا لوعد السيد الرئيس الذى يساعد هو ومن معه على تنفيذه حتى الآن دون تقصير أو بخل، وتلك شهادة منصفة تتبعها طلبات أخرى خاصة بقانون التظاهر والعديد من الضمانات الخاصة بعدم سقوط هذا الوطن فى فخ استسهال ابتلاع السجون لشبابه.