استوقفتنى عبارة وردت بحوار صحفى لوزير الداخلية تطرق فيها لمدى إمكانية استيعاب جماعة الإخوان بقوله: «إن قياداتٍ من الصفين الثانى والثالث بالجماعة داخل السجون تقدموا بطلبات للاعتذار للشعب المصرى، والتوبة عما فعلوا بحق مصر والمصريين، وعما اقترفت أياديهم الملوثة بالدماء»، مشيرا إلى أنهم يدرسون الموقف، ومدى صدق نوايا هذه القيادات، خاصة أن «تاريخهم يؤكد أنهم ينقضون العهد»، أزمة الإخوان الراهنة المحطة الأخطر بسلسلة صدامات بالسلطة، لكنها هذه المرة صنعتها بيديها، فبعدما كانت تحظى بتعاطف شعبى بعهد الرئيس الأسبق مبارك حينما كانت أجهزة الأمن تراقبها بصرامة، وتقبض على قياداتها وعناصرها الحركيين، لكن المزاج الشعبى المصرى تغير للنقيض عقب وصول مرشحها مرسى للرئاسة، فقد تعاملوا مع السلطة بنهم جائع، مما أثار حفيظة مؤسساتها والشعب.
ولعل متابعة شبكات التواصل الاجتماعى كفيلة برصد تصاعد خطاب «المظلومية الإخوانية» التى تمهد للتحريض ضد السلطة، واستثمار ضحايا المظاهرات خلال المواجهات مع قوات الأمن، لتبلور «ثقافة الكراهية» وتُعمق الاستقطاب وتترجمه لأعمال إرهابية كالتفجيرات والاغتيالات، لهذا فإن غالبية المصريين يرون أى حديث عن المصالحة وإعادة دمج الإخوان بالمشهد السياسى «خيانة عظمى» لدماء شهداء الجيش والشرطة وتركيع للدولة.
الواقع الراهن يجعل الحديث عن «حوار مجتمعى» مجرد لغو فارغ، وسيكون الفشل مصير محاولات احتواء العناصر المأزومة من شتى أطياف جماعات تعتنق الأفكار التكفيرية الممزوجة بمشاعر الاضطهاد من سلطة يرونها باطلة، وتطرح نفسها، كما أسماها سيد قطب «الطليعة المؤمنة الربانية» التى تضم خليطًا عشوائيًا من «ميليشيات الإخوان» وتكفيريين يخوضون حربًا مفتوحة ضد من يعتبرونهم «أعداء الإسلام»، فالخصومة ليست سياسية، لكن المخاطر تكمن بتفاعل الخبرات الحركية لهذه الفصائل، لتنتقل من المظاهرات التى لم تكن سلمية مطلقًا، لعنف منهجى يستهدف مفاصل الدولة، ويسعى لتدويل الصراع. تبقى الإشارة لبيئة الصراع الدامى التى عمّقت الاستقطاب، لذلك فالأمر مرهون بتغير الإخوان بجدية دون مناورات، لكن هناك إجماعا شعبيا بأن ذلك ليس واردًا فى المدى المنظور، مادامت الجماعة تواصل تصعيدها، وتتحدث عما تسميه «عودة الشرعية» وتمارس العنف والتحريض والاستقواء بالخارج.