أذكر مشهدا فى مسرحية "الجوكر" للفنان محمد صبحى، حين تخفى فى زى سيدة اسمها "عطيات"، ليدعى أمام هناء الشوربجى إنه زوجة زوجها، لكن حظه العاثر جعله يصادف أحد الموتورين من عطيات وزوجها أبو الوفا، واجتمع الثلاثة فى مشهد واحد، فقال الرجل لمحمد صبحى الذى يرتدى زى السيدة: يعنى أنت عطيات ولا مش عطيات؟ فالتفت محمد صبحى هامسا نحو الرجل: بالنسبة لك أنت.. لا. فقالت هناء الشوربجى: لأ؟ لأ يعنى إيه؟ فالتفت إليها محمد صبحى قائلا: بالنسبة لك أنت.. آه.
هذا بالتحديد ما تقع فيه الدولة الآن حين تشرع فى منحنا إجازة رسمية عن العمل فى يوم 25 يناير: بالنسبة لكوا أنتوا.. عيد الثورة.. بالنسبة لكوا أنتوا عيد الشرطة.
هناك أمور لا يجب أن تنسى فى هذا اليوم الخالد:
أن ثورة 25 يناير خرج فيها الناس بالأساس ضد ممارسات الشرطة، بل إن ممارسات الشرطة الوحشية من تعذيب وتنكيل وتقاضى رشاوى أقرب إلى الإتاوات، هى التى أسقطت نظام مبارك. ولا يدعى فرد أن التعذيب كان مبتكر فى عهد مبارك، لكن المتعارف عليه، إن الطغاة عادة ما يعذبون معارضيهم السياسيين، ومن يهددون أنظمة حكمهم، لكن المشكلة الحقيقية التى واجهت نظام مبارك، هو إنه أطلق العنان لعناصر الشرطة، فأصبح كل من يعن له التعذيب يعذب وتحول التعذيب إلى عملية عشوائية، ولم يكن هناك أى محاسبة على الإطلاق، بل إن هناك توصيات بإلا يتم محاسبة أى فرد من أفراد الشرطة إذا ما وقع فى مشكلة ما مع أى مواطن، حتى وإن كانت مشكلة عائلية تطورت إلى تشابك بالأيدى، تماما كأمين الشرطة الذى استخدم بزته الرسمية، وسلطات الضبطية القضائية، وسيارة الشرطة، ليهتك عرض فتاة أعجبته، ولم يكن يتخيل إنه سيتم محاسبته أبدا .
بقول آخر، لا يجتمع عيد الثورة وعيد الشرطة سويا اللهم إلا إذا تغير حال أحدهما. إما أن يتغير حال الشرطة التى ثار عليها الشعب، وهذا لم يحدث، ولا أسمع شخصا يقول: الشرطة عادت لسابق عهدها، لإنها لم تترك سابق عهدها حتى تعود له، كل ما حدث إن الناس ثارت على نظام مبارك، وواجهت الشرطة، فانسحبت الشرطة، وعملت مقموصة، ثم ظلت الأنظمة المتوالية بعد الثورة "تحايل" فيها حتى تعود، وعادت بالطريقة التى تعودت أن تكون عليها، دون محاولة من أى أحد ممن حكموا مصر بعيد الثورة لإعادة هيكلتها، فى البداية قال طنطاوى إن إعادة هيكلة الشرطة تسىء إلى حالة عناصرها النفسية. ثم قال مرسى إن الأمر لم يحن بعد، لإن حالتهم النفسية لم تتحسن.. يا سوسو، ثم تحدث الرئيس السيسى أيضا عن حالتهم النفسية. وزاد عليها تبرير إنهم يواجهون الإرهاب، والحقيقة إن مواجهة الإرهاب ليس لها أى علاقة بممارسة البلطجة على المواطنين، وقتلهم بالتعذيب فى أقسام الشرطة، وخنقهم فى سيارات الترحيلات.
والأمر لا يتعلق بالدفاع عن أفراد الشرطة أو اتهامهم "مش كل الشرطة وحشين"! وحشين ولا حلوين الأمر لا يعنيني، إلا إذا تقدم أحدهم لابنتى، ما يعنينى هو المنظومة التى يعمل من خلالها أفراد الشرطة، وهى منظومة أخشى ان تكون فاسدة ومهترئة، لا تمكن الفاسد من فساده فحسب، بل إنها تكبل الصالح، ولا تمنحه فرصة لأداء واجبه على أكمل وجه، وهى لا تمكن الشرطة من مواجهة الإرهاب بالطريقة الناجعة، مما يسفر عن عدد كبير من القتلى فى صفوفها.
طيب هناك حل آخر لمشكلة تعريف الإجازة الرسمية، يمكننا اعتبار إن ثورة 25 يناير لاغية، وكأنها لم تحدث.. هااااايل، موافقة، مبارك بقى يرجع الحكم، لإننا إذا اعتبرنا 25 يناير لاغية، فإن كل ما ترتب عليها من إجراءات وانتخابات لاغ أيضا . يجى واحد يقول لى: يا ستى عيد شرطة عيد ثورة، المهم نقعد فى البيت ولا نسافر لنا يومين. أجيب: معك كل الحق، لكن محاولاتى لحل هذا اللغز لها علاقة برغبتى فى معرفة الأفلام التى سيتم إذاعتها على التلفزيون فى هذا اليوم.