لو كان هناك مراقب لحركة النخبة طوال أربع سنوات لأصابته الدهشة، من حجم التكرار والكلاشيهات والجمل المحفوظة التى فقدت معناها من كثرة الاستعمال عن الثورة والثورة المضادة والدم والقصاص وحجم البكائيات التى فقد صانعوها القدرة على التجديد.
كان أبرز نتائج ومظاهر 25 يناير هو تبادل الأدوار، بين السياسين والنشطاء والإعلاميين، وأصبح الكلام هو المنتج الأول، فى الفضائيات «التوك شو» هو الفاعل، وفى مواقع التواصل، الكلام هو السلعة الأكثر رواجا وتسويقا، والنجومية باللايك والريتويت، المظاهرات صارت أسواقا للكلام والصراخ.
ولدت كلاشيهات وقوالب ومحفوظات عن أنصاف الثورات، والثورات الفاشلة، والثورات المضادة، ولم يقل أحد كيف يمكن بناء المستقبل، من شاركوا وتصدروا المشهد وجدوا أن عليهم أن يتحدثوا فى فضائيات ومؤتمرات وجمعوا عناوين ومقولات وكلاشيهات مستوردة وأبيات شعر استهلكت وفقدت معناها.
هناك نجوم ظهروا، بعضهم كان نصف معروف أو مجهول، لكنه مع تزايد برامج التوك شو والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعى اصبحوا نجوما يتحدثون ويعبرون عن آرائهم التى تحول بعضها من وجهات نظر إلى حقائق لا تحتمل الشك ولا الجدل، وفى الوقت الذى اختلف فيه النشطاء والنجوم كان هناك من يخطط ويضحك ويستغل هذا.
ظهر الكثير من الائتلافات والتنظيمات والأحزاب التى تحدثت باسم الثورة، «كثير منها حمل اسم ائتلاف شباب الثورة أو اتحاد الائتلافات أو مجلس ثورى» كانت تضم الشامى على المغربى واليمين مع اليسار مع الدينى مع الهاجع والناجع والنائم والعابر والباحث عن دور، من دون أن يقدم أى منها نظرية أو تصورا لكل المستقبل بعد تنحى مبارك.
لم ينشغل أحد بما يجب أن يكون عليه الوضع فى اليوم التالى، الذين خرجوا للتظاهر واعتصموا وأدوا ما عليهم كان ينتظرون من يقول لهم ماذا يفعلون، وماذا يؤيدون، لكن الزعماء انشغلوا بعضهم بجمع الغنائم والاقتراب والحوار مع المجلس العسكرى، وبعضهم كان يريد القفز على ميراث الحزب الوطنى بنفس الطريقة، كثيرون مارسوا تسلطًا لا يختلف عن تسلط نظام سقط، وحتى الأمل، أهم ما تمنحه الثورة، ضاع وسط «ملطمة البكاء المجانى».
تحولت مواقع التواصل الاجتماعى فيس بوك وتويتر ويوتيوب إلى أكبر مكان للأخبار والمعلومات والحوار والدردشة والجدل والشتيمة والشائعات، سوق واسع للكلام، والمثير أن حالة من تبادل الأدوار جرت بشكل كبير، تحول النشطاء والسياسيون الى إعلاميين وصحفيين ومتكلمين فى الفضائيات، بينما تحول بعض الإعلاميين والمذيعين والمذيعات إلى نشطاء وناشطات، لم يمارسوا السياسة، لكن مارسوا الكلام، ومعهم أدباء وفنانون ومثقفون تركوا وظائفهم وأصبحوا يمارسون السياسة من باب «الريتويت».. وظلوا يسكنون فى عالم الكلام.