أكتب هذه السطور من باريس قبيل ساعات من انقضاء عام وبداية عام جديد، هو 2015، ومن الصعب وصف استقبال الفرنسيين لرأس السنة وتحول باريس لمحطة تجمع كل جنسيات العالم، خصوصا فى شوارع رئيسية مثل الشانزليزية والباستيل وسان ميشيل وتريكاديرو وهضبة المومارتر وقمة السيكر كير ومعالم ومتاحف مثل اللوفر والأورسى والنوتردام وكلها من معجزات الفرنسيين الفنية والأثرية، وهم لم يكتفوا بجذب أنظار العالم بمعالمهم وآثارهم وتاريخهم، بل أيضا اغتصبوا آثار مصر ووضعونا فرجة للناظرين واستثمروها وربحوا من ورائها، وستجد ذلك فى ميدان الكونكورد حيث المسلة المصرية الشهيرة تعانق السماء، ويمكن أن تراها من أول وآخر شارع الشانزليزية ومن قوس النصر الفرنسى الشهير، حيث تعزف فرقة الموسيقى العسكرية الفرنسية «لامارشية» النشيد الوطنى يوميا.. وكان نابليون لفرط عشقه لمصر أخذ تذكارا من معشوقته مصر، والإحصاءات تقول هنا إن أكثر الأشياء التى تجذب السائحين هى الآثار المصرية سواء فى اللوفر أو خارجه وطبعا الجناح المصرى فى اللوفر لا يمكن أن تحتوية استمتاعا فى يوم، بل يحتاج شهورا حتى تراه كاملا، ولو أن مصر وحكامها كانوا أمناء على آثارها لطالبوا باسترجاع هذه الآثار أو حتى على الأقل تعويض المصريين أو كما قال لى صديقى رجل الأعمال الوطنى والمثقف الشهم وليد الحريرى لماذا لا تطالب مصر بأخذ جزء من الريع أو العائد المالى لهذه الآثار، هل يفعلها محلب ويطالب أوروبا وأمريكا بالمشاركة فى عائد السياحة الأثرية المصربة بالخارج؟
عموما ليس هذا موضوعنا الآن لأنه ملف كبير جدا ولا يخلو من فساد على مدى عقود، ومبارك وشلته متورطون فيه جدا، لكن موضوعنا هو الإخوان فى فرنسا والغرب عموما، ومن خلال جلساتى مع مستويات ثقافية مختلفة هنا ومن معظم الجنسيات العربية لاحظت أن الإخوان يبذلون أقصى جهدهم لتشويه مصر من زاوية الهجوم على السيسى، وهم يتواصلون مع الصحف الكبرى والميديا الفرنسية لإطلاق سمومهم وسهام غلهم وحقدهم على الدولة المصرية، وعلى سبيل المثال فإنهم استثمروا ما حدث مع الصحفى الفرنسى الكبير آلان جريش رئيس صحيفة الدبلوماتيك أسوأ استغلال وطافوا به فى كل وسائل الإعلام الفرنسية ولأذكر القارئ بما حدث أقول إن الرجل كان يجلس فى وسط البلد بالقاهرة مع صحفية إخوانية تعمل فى شبكة رصد وأخرى من 6 إبريل، والاثنتان هاجمتا السيسى وثورة يونيو بضراوة، وهذا حقهما إذا كنا نؤمن بحرية الرأى لكن خطأ جريش أنه لم يجلس مع غيرهما، بل إحداهما كانت مرشدة سياحية له. المهم أن الرجل كان يكتب ملاحظات ويبدو أن سيدة عابرة سمعت حديثهم، فقامت بإبلاغ الأمن الوطنى الذى حضر للمكان وقبض عليه واحتجزه عدة ساعات، ثم تركه وعاد الرجل إلى باريس ونشر ما حدث معه باعتباره يحدث كل يوم مع أى صاحب رأى وزعم أن العسكر ينكلون بالإخوان ومصر تحكم بثكنة عسكرية وللأسف وجدت ابن أحد أصدقائى، وهو آدم المولود فى فرنسا ويدرس السينما، وجدته يكرر نفس الكلام بالحرف، وما فعله الإخوان أنهم أخذوا مقالات جريش ووزعوها على المواقع والفضائيات الغربية، ثم إنهم ينسقون مع مجموعة شباب أطلقت حملة اسمها عسكر كاذبون، وهم جزء من 6 إبريل وحزب الدستور والتيار الشعبى وأحد كوادرهم كان مندوب حملة حمدين صباحى، وهم جميعا لا يرون ما يحدث فى مصر من نهضة والتفاف شعبى حول السيسى، لكن الشعب مغيب والملايين انقلبوا على الشرعية، وما يفعله الإخوان وأذنابهم من الإرهاب إنما هى أفعال مخابراتية، هذه رؤيتهم وممارساتهم، وهم يعقدون ندوات أسبوعية يدعون لها قادة الرأى والكتاب الفرنسيين فى إطار حملاتهم المستمرة ضد مصر والتمويل بالعبيط.
ماذا فعلنا نحن لإفهامهم ومواجهتهم أو مقاومة هجومهم الكاسح فى الميديا الغربية، خصوصا مع وجود رموزهم من الهاربين لتركيا أو المقيمين هنا والمتمترسين بقدرات فولاذية مثل طارق رمضان حفيد البنا، وهو أحد المدافع الإخوانية الثقيلة، والذى لا يمر أسبوع إلا وتجد له صوتا هنا أو هناك، ماذا فعلنا.. هذا السؤال سألته للسفير المصرى فى فرنسا السفير إيهاب بدوى، الذى حرص بدماثة خلق مشهور بها على إجابتى وتبديد كل قلقى من حركة هؤلاء الموتورين الحاقدين الممولين لهدم الدولة المصرية، وسألته بالتحديد عما حدث مع آلان جريش ورأيه فقال طبعا ما حدث فيه خطأ من الذى تعامل مع الرجل ولم يفهم من هو رغم أن الداخلية معذورة فى الظرف الراهن، لكن دعنا نعترف أنه خطأ أمنى وأنا بدورى سارعت بالاتصال بالرجل فور رجوعه إلى باريس وطلبت أن نتناول العشاء معا لكنه أجل الموعد، وبصراحة أنا رأيت تعامل الإخوان مع الحدث طبيعيا، فهم لا يتركون حدثا مثل هذا، ولكن دعنا نسأل هل نجحوا فيما خططوا له قبل زيارة الرئيس؟ طبعا لا.. رغم أنهم حشدوا من كل أوروبا. لكن المصريبن هنا كانوا - باستثناء الإخوان وبعض الشباب - على قلب رجل واحد وقدموا نموذجا رائعا، سألته كيف نواجه الميديا الإخوانية فى أوروبا فقال هذا هو الهم الكبير، نحن نحتاج مصاريف ضخمة.. أنت ترى الجزيرة هنا فى كل مكان ولا ترى قناة مصرية واحدة، وعليكم كإعلاميين بحث هذه المشكلة.
وتركته وأنا لا أملك حلا لهذه المعضلة، كيف يصل صوتنا للعالم بدلا من حديث الإعلام الإخوانى المحلى الأجوف، وقبل أن أعود للقاهرة عرفت أن الإخوان يخططون للنزول فى 25 يناير الجارى فى أحد الميادين هنا فى باريس، للتنديد بالسيسى، وأحدهم كتب على صفحة إخوانية ستكون نهاية حكم العسكر من هنا، الغريب أن فرنسا 25 نشرت إحصائية تقول إن معظم الجرائم الأخلاقية فى باريس يرتكبها المسلمون، وأكدت مصادر لى أن أحد أكبر ممولى الإخوان هنا عليه قضايا تمويل أنشطة غير مشروعة فى الجنوب، بل إن أحدهم أيضا يمتلك واحدا من أشهر الملاهى الليلية المتخصصة فى الاستبرتيز، إنهم لا يدمرون مصر فقط، بل الإسلام أيضا، كل لحظة ومصر بخير وعاش شعبها مع جيشها أبيا عظيما.